الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7599 ) مسألة ; قال : وإذا استأجر الأمير قوما يغزون مع المسلمين لمنافعهم ، لم يسهم لهم ، وأعطوا ما استؤجروا به نص أحمد على هذا ، في رواية جماعة ، فقال ، في رواية عبد الله وحنبل ، في الإمام يستأجر قوما يدخل بهم بلاد العدو : لا يسهم لهم ، ويوفي لهم بما استؤجروا عليه . وقال القاضي : هذا محمول على استئجار من لا يجب عليه الجهاد ، كالعبيد والكفار .

                                                                                                                                            أما الرجال المسلمون الأحرار ، فلا يصح استئجارهم على الجهاد ; لأن الغزو يتعين بحضوره على من كان من أهله ، فإذا تعين عليه الفرض ، لم يجز أن يفعله عن غيره ، كمن عليه حجة الإسلام ، لا يجوز أن يحج عن غيره . وهذا مذهب الشافعي . ويحتمل أن يحمل كلام أحمد والخرقي على ظاهره ، في صحة الاستئجار على الغزو لمن لم يتعين عليه ; لما روى أبو داود ، بإسناده عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { للغازي أجره ، وللجاعل أجره } .

                                                                                                                                            وروى سعيد بن منصور ، عن جبير بن نفير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مثل الذين يغزون من أمتي ، ويأخذون الجعل ، ويتقوون به على عدوهم ، مثل أم موسى ، ترضع ولدها ، وتأخذ أجرها } .

                                                                                                                                            ولأنه أمر لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة ، فصح الاستئجار عليه ، كبناء المساجد ، أو لم يتعين عليه الجهاد ، فصح أن يؤجر نفسه عليه كالعبد . ويفارق الحج ، حيث إنه ليس بفرض عين ، وإن الحاجة داعية إليه ، وفي المنع من أخذ الجعل عليه تعطيل له ، ومنع له مما فيه للمسلمين نفع ، وبهم إليه حاجة ، فينبغي أن يجوز ، بخلاف الحج . إذا ثبت هذا ، فإن قلنا بالأول ، فالإجارة فاسدة ، وعليه الأجرة يردها ، وله سهمه ; لأن غزوه بغير أجرة .

                                                                                                                                            وإن قلنا بصحته ، فظاهر كلام أحمد والخرقي ، رحمهما الله ، أنه لا سهم له ; لأن غزوه بعوض ، فكأنه واقع من غيره ، فلا يستحق شيئا . وقد روى أبو داود ، بإسناده عن يعلى بن منبه ، قال { : أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغزو ، وأنا شيخ كبير ، ليس لي خادم ، فالتمست أجيرا يكفيني ، وأجري له سهمه ، فوجدت رجلا ، فلما دنا الرحيل ، قال : ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي ، فسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن . فسميت له ثلاثة دنانير ، فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه ، فذكرت الدنانير ، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أمره ، فقال : ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى } . ويحتمل أن يسهم له . وهو اختيار الخلال .

                                                                                                                                            قال : وروى جماعة عن أحمد ، أن للأجير السهم إذا قاتل . وروى عنه جماعة ، أن كل من شهد القتال فله السهم . قال : وهذا الذي أعتمد عليه من قول أبي عبد الله . ووجه ذلك ، ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو ، وحديث جبير بن نفير ، وقول عمر : الغنيمة لمن شهد الوقعة . ولأنه حاضر للوقعة من أهل القتال ، فيسهم له كغير الأجير .

                                                                                                                                            فأما الذين يعطون من حقهم من الفيء ، فلهم [ ص: 244 ] سهامهم ، لأن ذلك حق جعله الله لهم ليغزو ، لا أنه عوض عن جهاده ، بل نفع جهاده له لا لغيره . وكذلك من يعطون من الصدقات ، وهم الذين إذا نشطوا للغزو أعطوا ، فإنهم يعطون معونة ، لا عوضا ، ولذلك إذا دفع إلى الغزاة ما يتقوون به ، ويستعينون به ، كان له فيه الثواب ، ولم يكن عوضا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من جهز غازيا ، كان له مثل أجره } .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية