الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لا تصح الإجارة لعسب التيس ) وهو نزوه على الإناث ( و ) لا ( لأجل المعاصي مثل الغناء والنوح والملاهي ) ولو أخذ بلا شرط يباح ( و ) لا لأجل الطاعات مثل ( الأذان والحج والإمامة وتعليم القرآن والفقه ) ويفتى اليوم بصحتها لتعليم القرآن والفقه والإمامة والأذان . [ ص: 56 ] ويجبر المستأجر على دفع ما قبل ) فيجب المسمى بعقد وأجر المثل إذا لم تذكر مدة شرح وهبانية من الشركة ( ويحبس به ) به يفتى ( ويجبر على ) دفع ( الحلوة المرسومة ) هي ما يهدى للمعلم على رءوس بعض سور القرآن ، سميت بها ; لأن العادة إهداء الحلاوى .

التالي السابق


( قوله لا تصح الإجارة لعسب التيس ) ; لأنه عمل لا يقدر عليه وهو الإحبال .

مطلب في الاستئجار على المعاصي . ( قوله مثل الغناء ) بالكسر والمد الصوت ، وأما المقصور فهو اليسار صحاح ( قوله والنوح ) البكاء على الميت وتعديد محاسنه ( قوله والملاهي ) كالمزامير والطبل ، وإذا كان الطبل لغير اللهو فلا بأس به كطبل الغزاة والعرس لما في الأجناس : ولا بأس أن يكون ليلة العرس دف يضرب به ليعلن به النكاح .

وفي الولوالجية : وإن كان للغزو أو القافلة يجوز إتقاني ملخصا . ( قوله يباح ) كذا في المحيط .

وفي المنتقى : امرأة نائحة أو صاحبة طبل أو زمر اكتسبت مالا ردته على أربابه إن علموا وإلا تتصدق به ، وإن من غير شرط فهو لها : قال الإمام الأستاذ لا يطيب ، والمعروف كالمشروط ا هـ . قلت : وهذا مما يتعين الأخذ به في زماننا لعلمهم أنهم لا يذهبون إلا بأجر ألبتة ط .



مطلب في الاستئجار على الطاعات . ( قوله ولا لأجل الطاعات ) الأصل أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام { اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به } وفي آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن العاص { وإن اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الأذان أجرا } ولأن القربة متى حصلت وقعت على العامل ولهذا تتعين أهليته ، فلا يجوز له أخذ الأجرة من غيره كما في الصوم والصلاة هداية . مطلب تحرير مهم في عدم جواز الاستئجار على التلاوة والتهليل ونحوه مما لا ضرورة إليه .

( قوله ويفتى اليوم بصحتها لتعليم القرآن إلخ ) قال في الهداية : وبعض مشايخنا - رحمهم الله تعالى - استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن اليوم لظهور التواني في الأمور الدينية ، ففي الامتناع تضييع حفظ القرآن وعليه الفتوى ا هـ ، وقد اقتصر على استثناء تعليم القرآن أيضا في متن الكنز ومتن مواهب الرحمن وكثير من الكتب ، وزاد في مختصر الوقاية ومتن الإصلاح تعليم الفقه ، وزاد في متن المجمع الإمامة ، ومثله في متن الملتقى ودرر البحار .

وزاد بعضهم الأذان والإقامة والوعظ ، وذكر المصنف معظمها ، ولكن الذي في أكثر الكتب [ ص: 56 ] الاقتصار على ما في الهداية ، فهذا مجموع ما أفتى به المتأخرون من مشايخنا وهم البلخيون على خلاف في بعضه مخالفين ما ذهب إليه الإمام وصاحباه ، وقد اتفقت كلمتهم جميعا في الشروح والفتاوى على التعليل بالضرورة وهي خشية ضياع القرآن كما في الهداية ، وقد نقلت لك ما في مشاهير متون المذهب الموضوعة للفتوى فلا حاجة إلى نقل ما في الشروح والفتاوى ، وقد اتفقت كلمتهم جميعا على التصريح بأصل المذهب من عدم الجواز ، ثم استثنوا بعده ما علمته ، فهذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أن المفتى به ليس هو جواز الاستئجار على كل طاعة بل على ما ذكروه فقط مما فيه ضرورة ظاهرة تبيح الخروج عن أصل المذهب من طرو المنع ، فإن مفاهيم الكتب حجة ولو مفهوم لقب على ما صرح به الأصوليون بل هو منطوق ، فإن الاستثناء من أدوات العموم كما صرحوا به أيضا .

وأجمعوا على أن الحج عن الغير بطريق النيابة لا الاستئجار ، ولهذا لو فضل مع النائب شيء من النفقة يجب عليه رده للأصيل أو ورثته ، ولو كان أجرة لما وجب رده ، فظهر لك بهذا عدم صحة ما في الجوهرة من قوله واختلفوا في الاستئجار على قراءة القرآن مدة معلومة .

قال بعضهم : لا يجوز : وقال بعضهم : يجوز وهو المختار ا هـ والصواب أن يقال على تعليم القرآن ، فإن الخلاف فيه كما علمت لا في القراءة المجردة فإنه لا ضرورة فيها ، فإن كان ما في الجوهرة سبق قلم فلا كلام ، وإن كان عن عمد فهو مخالف لكلامهم قاطبة فلا يقبل .

وقد أطنب في رده صاحب تبيين المحارم مستندا إلى النقول الصريحة ، فمن جملة كلامه قال تاج الشريعة في شرح الهداية : إن القرآن بالأجرة لا يستحق الثواب لا للميت ولا للقارئ . وقال العيني في شرح الهداية : ويمنع القارئ للدنيا ، والآخذ والمعطي آثمان . فالحاصل أن ما شاع في زماننا من قراءة الأجزاء بالأجرة لا يجوز ; لأن فيه الأمر بالقراءة وإعطاء الثواب للآمر والقراءة لأجل المال ; فإذا لم يكن للقارئ ثواب لعدم النية الصحيحة فأين يصل الثواب إلى المستأجر ولولا الأجرة ما قرأ أحد لأحد في هذا الزمان بل جعلوا القرآن العظيم مكسبا ووسيلة إلى جمع الدنيا - إنا لله وإنا إليه راجعون - ا هـ .

وقد اغتر بما في الجوهرة صاحب البحر في كتاب الوقف وتبعه الشارح في كتاب الوصايا حيث يشعر كلامها بجواز الاستئجار على كل الطاعات ومنها القراءة .

وقد رده الشيخ خير الدين الرملي في حاشية البحر في كتاب الوقف حيث قال : أقول المفتى به جواز الأخذ استحسانا على تعليم القرآن لا على القراءة المجردة كما صرح به في التتارخانية حيث قال : لا معنى لهذه الوصية ولصلة القارئ بقراءته ; لأن هذا بمنزلة الأجرة والإجارة في ذلك باطلة وهي بدعة ولم يفعلها أحد من الخلفاء ، وقد ذكرنا مسألة تعليم القرآن على استحسان ا هـ يعني الضرورة ولا ضرورة في الاستئجار على القراءة على القبر .

وفي الزيلعي وكثير من الكتب : لو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر لذهب القرآن فأفتوا بجوازه ورأوه حسنا فتنبه ا هـ كلام الرملي .

وما في التتارخانية فيه رد على من قال : لو أوصى لقارئ يقرأ على قبره بكذا ينبغي أن يجوز على وجه الصلة دون الأجر ، وممن صرح ببطلان هذه الوصية صاحب الولوالجية والمحيط والبزازية ، وفيه رد أيضا على صاحب [ ص: 57 ] البحر حيث علل البطلان بأنه مبني على القول بكراهة القرآن على القبر وليس كذلك ، بل لما فيه من شبه الاستئجار على القراءة كما علمت ، وصرح به في الاختيار وغيره ، ولذا قال في الولوالجية ما نصه : ولو زار قبر صديق أو قريب له وقرأ عنده شيئا من القرآن فهو حسن ، أما الوصية بذلك فلا معنى لها ولا معنى أيضا لصلة القارئ ; لأن ذلك يشبه استئجاره على قراءة القرآن وذلك باطل ولم يفعل ذلك أحد من الخلفاء ا هـ إذ لو كانت العلة ما قاله لم يصح قوله هنا فهو حسن ، وممن أفتى ببطلان هذه الوصية الخير الرملي كما هو مبسوط في وصايا فتاواه فراجعها .

ونقل العلامة الخلوتي في حاشية المنتهى الحنبلي عن شيخ الإسلام تقي الدين ما نصه : ولا يصح الاستئجار على القراءة وإهدائها إلى الميت ; لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الإذن في ذلك . وقد قال العلماء : إن القارئ إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له فأي شيء يهديه إلى الميت ، وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح ، والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة ، وإنما تنازعوا في الاستئجار على التعليم ا هـ بحروفه ، وممن صرح بذلك أيضا الإمام البركوي قدس سره في آخر الطريقة المحمدية فقال : الفصل الثالث في أمور مبتدعة باطلة أكب الناس عليها على ظن أنها قرب مقصودة إلى أن قال : ومنها الوصية من الميت باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده وبإعطاء دراهم لمن يتلو القرآن لروحه أو يسبح أو يهلل له وكلها بدع منكرات باطلة ، والمأخوذ منها حرام للآخذ ، وهو عاص بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا ا هـ ملخصا .

وذكر أن له فيها أربع رسائل . فإذا علمت ذلك ظهر لك حقيقة ما قلناه وأن خلافه خارج عن المذهب وعما أفتى به البلخيون وما أطبق عليه أئمتنا متونا وشروحا وفتاوى ، ولا ينكر ذلك إلا غمر مكابر أو جاهل لا يفهم كلام الأكابر ، وما استدل به بعض المحشين على الجواز بحديث البخاري في اللديغ فهو خطأ ; لأن المتقدمين المانعين الاستئجار مطلقا جوزوا الرقية بالأجرة ولو بالقرآن كما ذكره الطحاوي ; لأنها ليست عبادة محضة بل من التداوي . وما نقل عن بعض الهوامش وعزى إلى الحاوي الزاهدي من أنه لا يجوز الاستئجار على الختم بأقل من خمسة وأربعين درهما فخارج عما اتفق عليه أهل المذهب قاطبة . وحينئذ فقد ظهر لك بطلان ما أكب عليه أهل العصر من الوصية بالختمات والتهاليل مع قطع النظر عما يحصل فيها من المنكرات التي لا ينكرها إلا من طمست بصيرته ، وقد جمعت فيها رسالة سميتها شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل وأتيت فيها بالعجب العجاب لذوي الألباب ، وما ذكرته هنا بالنسبة إليها كقطرة من بحر أو شذرة من عقد نحر ، وأطلعت عليها محشي هذا الكتاب فقيه عصره ووحيد دهره السيد أحمد الطحاوي مفتي مصر سابقا فكتب عليها وأثنى الثناء الجميل ، فالله يجزيه الخير الجزيل ، وكتب عليها غيره من فقهاء العصر




الخدمات العلمية