الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ على المفتي أن يرجع إلى العرف في مسائل ] الفائدة الثالثة والأربعون : لا يجوز له أن يفتي في الإقرار والأيمان والوصايا وغيرها مما يتعلق باللفظ بما اعتاده هو من فهم تلك الألفاظ دون أن يعرف عرف أهلها والمتكلمين بها فيحملها على ما اعتادوه وعرفوه ، وإن كان مخالفا لحقائقها الأصلية ، فمتى لم يفعل ذلك ضل وأضل ; فلفظ الدينار عند طائفة اسم لثمانية دراهم ، وعند طائفة اسم لاثني عشر درهما ، والدرهم عند غالب البلاد اليوم اسم للمغشوش ، فإذا أقر له بدراهم أو حلف ليعطينه إياها أو أصدقها امرأة لم يجز للمفتي ولا للحاكم أن يلزمه بالخالصة ، فلو كان في بلد إنما يعرفون الخالصة لم يجز له أن يلزم المستحق بالمغشوشة ، وكذلك في ألفاظ الطلاق والعتاق ، فلو جرى عرف أهل بلد أو طائفة في استعمالهم لفظ الحرية في العفة دون العتق ، فإذا قال أحدهم عن مملوكه : " إنه حر " أو عن جاريته : " إنها حرة " ، وعادته استعمال ذلك في العفة لم يخطر بباله غيرها لم يعتق بذلك قطعا ، وإن كان اللفظ صريحا عند من ألف استعماله في العتق ، وكذلك إذا جرى عرف طائفة في الطلاق بلفظ التسميح بحيث لا يعرفون لهذا المعنى غيره ، فإذا قالت : " اسمح لي " فقال : " سمحت لك " فهذا صريح في الطلاق عندهم ، وقد تقدم الكلام في هذا الفصل مشبعا وأنه لا يسوغ أن يقبل تفسير من قال : " لفلان علي مال جليل ، أو عظيم " بدانق أو درهم ، ونحو ذلك ، ولا سيما إن كان المقر من الأغنياء المكثرين أو الملوك ، وكذلك لو أوصى له بقوس في محلة لا يعرفون إلا أقواس البندق أو الأقواس العربية أو أقواس الرجل ، أو حلف لا يشم الريحان في محل لا يعرفون الريحان إلا هذا الفارسي ، أو حلف لا يركب دابة في موضع عرفهم بلفظ الدابة الحمار أو الفرس ، أو حلف لا يأكل ثمرا في بلد عرفهم في الثمار نوع واحد منها لا يعرفون غيره ، أو حلف لا يلبس ثوبا في بلد عرفهم في الثياب القمص وحدها دون الأردية والأزر والجباب ونحوها ، تقيدت يمينه بذلك وحده في جميع هذه الصور ، واختصت بعرفه دون موضوع اللفظ لغة أو في عرف غيره ، بل لو قالت المرأة لزوجها الذي لا يعرف التكلم بالعربية ولا [ ص: 176 ] يفهمها : " قل لي : أنت طالق ثلاثا " ، وهو لا يعلم موضوع هذه الكلمة ، فقال لها ، لم تطلق قطعا في حكم الله تعالى ورسوله ، وكذلك لو قال الرجل لآخر : " أنا عبدك ومملوكك " على جهة الخضوع له كما يقوله الناس لم يستبح ملك رقبته بذلك ، ومن لم يراع المقاصد والنيات العرف في الكلام فإنه يلزمه أن يجوز له بيع هذا القائل وملك رقبته بمجرد هذا اللفظ .

التالي السابق


الخدمات العلمية