الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فصل

ويقع السؤال في أنه : هل نص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان ذلك ؟ قال القاضي أبو بكر [ ص: 279 ] في " الانتصار " : إنما هذا يرجع لحفظ الصحابة وتابعيهم ، كما أنه لا بد في العادة من معرفة معظمي العالم والخطيب ، وأهل الحرص على حفظ كلامه ، ومعرفة كتبه ومصنفاته ، من أن يعرفوا ما صنفه أولا وآخرا ، وحال القرآن في ذلك أمثل ، والحرص عليه أشد ، غير أنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قول ، ولا ورد عنه أنه قال : اعلموا أن قدر ما نزل علي بمكة كذا ، وبالمدينة كذا ، وفصله لهم ، ولو كان ذلك منه لظهر وانتشر ، وإنما لم يفعله لأنه لم يؤمر به ، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة ، وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ ; ليعرف الحكم الذي تضمنهما ، فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول بعينه ، وقوله هذا هو الأول المكي ، وهذا هو الآخر المدني ، وكذلك الصحابة والتابعون من بعدهم لما لم يعتبروا أن من فرائض الدين تفصيل جميع المكي والمدني مما لا يسوغ الجهل به ، لم تتوفر الدواعي على إخبارهم به ، ومواصلة ذكره على أسماعهم ، وأخذهم بمعرفته ، وإذا كان كذلك ساغ أن يختلف في بعض القرآن : هل هو مكي أو مدني ؟ وأن يعملوا في القول بذلك ضربا من الرأي والاجتهاد ، وحينئذ فلم يلزم النقل عنهم ذكر المكي والمدني ، ولم يجب على من دخل في الإسلام بعد الهجرة أن يعرف كل آية أنزلت قبل إسلامه مكية أو مدنية ، فيجوز أن يقف في ذلك أو يغلب على ظنه أحد الأمرين ، وإذا كان كذلك بطل ما توهموه من وجوب نقل هذا أو شهرته في الناس ، ولزوم العلم به لهم ، ووجوب ارتفاع الخلاف فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية