الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ صيغ الفعل المثبت الذي له أكثر من احتمال ] ثم الكلام على الصيغ :

                                                      إحداها : إذا قال الراوي : سمعته يقول : قضيت بالشفعة للجار ، فقال القاضي : يحمل على العموم في كل جار ، ويحتمل العهد ، وبذلك جزم " صاحب المحصول " فقال : لا يعم لاحتمال كون " أل " للعهد ، وهذا بناء منه على اختياره أن المفرد المحلى بأل لا يعم ، فأما إذا كان منونا كقوله : قضيت بالشفعة لجار ، فجانب العموم أرجح . قاله صاحب الحاصل ، وقال : الأشبه أنه يفيد العموم .

                                                      الثانية : قول الصحابي : { نهى عن بيع الغرر } ، وعن " نكاح الشغار " ، [ ص: 233 ] و { أمر بقتل الكلاب } ، ظاهر كلامهم أنه ليس بعام أيضا ، وأنه مثل " قضى " ، وصرح به الغزالي وغيره . وهذا ليس بصحيح كما قاله القرطبي ، لأن " أمر ، ونهى " عبارة عن أنه وقع منه عليه السلام خطابا التكليف اللذان هما الأمر والنهي ، فلما لم يذكر الصحابة مأمورا ولا منهيا مخصوصا ، علم أن المخاطب بذلك كل المكلفين كسائر خطابات التكليف ثم إن صدر أمره ونهيه لواحد بعينه ، فهو يتوجه للجمع .

                                                      قلت : وقد احتج الشافعي على بطلان بيع اللحم بالحيوان بمطلق من جنسه وغيره بعموم قوله : { نهى عن بيع اللحم بالحيوان } وقد احتج أصحابه بالنهي عن بيع الغرر على كثير من المسائل ، وكذلك { لعن الله الواصلة والمستوصلة } .

                                                      وقال القاضي : استدلال الفقهاء بمثل هذه الصيغ ، إن اقترن به ما يدل على العموم حمل عليه ، وإلا امتنع التعلق به . وما روي أن الشافعي احتج بقضية عمر بن عبد العزيز في ذلك ، وأن عروة بن الزبير قال لعمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا أن { الخراج بالضمان } ، فإنهما إنما احتجا [ ص: 234 ] بذلك لاعتقادهما أن حكمه على الواحد حكمه على الجميع ، وأنه علق الخراج بالضمان ، وذلك يوجب التعميم على أنه قد روي { الخراج بالضمان } بدون قضى ، فيجب التعلق به حينئذ .

                                                      وفي " المستصفى " في " باب السنة " أن قول الصحابي ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ، أو نهى عن كذا ) قيل : إنه أمر لجميع الأمة ، والصحيح أن من يقول بصيغة العموم ينبغي أن يتوقف في هذا ، إذ يحتمل أن يكون ما سمعه أمرا للأمة ، أو لطائفة ، أو لشخص بعينه ، فيتوقف فيه على الدليل ، لكن يدل عليه أن أمره للواحد أمر للجماعة ، إلا إذا كان لوصف يخصه من سفر أو حيض ، كقولنا : أمرنا إذا كنا مسافرين . نعم ، إن علم من عادة الصحابي أنه لا يطلقه إلا في أمر الأمة حمل عليه ، وإلا احتمل أن يكون أمرا له وللأمة ولطائفة .

                                                      وقال شارحه العبدري من قال : إنه عام فباطل ، لأن الفعل لا يدل على المفعول بصيغته ، بل بمقتضاه ، والمقتضى لا عموم له .

                                                      الثالثة : أن يورد الفعل بصيغة " كان " فهل هو عام أم لا ؟ على وجهين حكاهما الشيخ أبو إسحاق وابن برهان . وصحح الشيخ أنه لا يقتضي العموم ، لأنه وإن اقتضى التكرار إلا أنه يجوز أن يكون التكرار على صيغة واحدة لا يشاركها فيها سائر الصفات ، فأما إذ قيل : كان يفعل ، كقوله : { كان يجمع بين الصلاتين } ، فهذا يحتمل العموم ، لخروج الكلام مخرج تكرار الأفعال ، فيحتمل أن يكون يفعل ما يلزمه اسم الجمع في حالتين مختلفتين ، قال : وما هو بالبين أيضا .

                                                      وفصل ابن برهان بين أن يكون ذلك في الأمور التي تشيع ، ولا تبقى [ ص: 235 ] في طي الكتمان كقول عائشة : { كانت الأيدي لا تقطع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه } فهو موضع الخلاف ، وبين أن يكون مبنيا على الستر والكتمان كالوطء ، فلا يجوز دعوى العموم فيه قطعا ولا يكون حجة ، كما نقل في قضية الاغتسال والأقوال كقول زيد بن ثابت : كانت عمومتي ، يفعلونه ولا يغتسلون .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية