الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      رجاء بن حيوة ( م ، 4 ، خت )

                                                                                      ابن جرول وقيل : ابن جزل ، وقيل : ابن جندل ، الإمام ، القدوة الوزير العادل ، أبو نصر الكندي الأزدي ، ويقال : الفلسطيني ، الفقيه ، من جلة التابعين ، ولجده جرول بن الأحنف صحبة فيما قيل .

                                                                                      حدث رجاء عن معاذ بن جبل ، وأبي الدرداء ، وعبادة بن الصامت ، وطائفة . أرسل عن هؤلاء ، وعن غيرهم .

                                                                                      وروى أيضا عن عبد الله بن عمرو ، ومعاوية ، وأبي سعيد الخدري ، وجابر ، وأبي أمامة الباهلي ، ومحمود بن الربيع ، وأم الدرداء ، وعبد الملك بن مروان ، وأبيه حيوة ، وأبي إدريس ، وخلق كثير .

                                                                                      حدث عنه مكحول ، والزهري ، وقتادة ، وعبد الملك بن عمير ، وإبراهيم بن أبي عبلة ، وابن عون ، وحميد الطويل ، وأشعث بن أبي الشعثاء ، ومحمد بن عجلان ، ومحمد بن جحادة ، وعروة بن رويم ، ورجاء بن أبي سلمة ، وثور بن يزيد ، وآخرون . [ ص: 558 ]

                                                                                      قال ابن سعد كان ثقة ، عالما ، فاضلا ، كثير العلم .

                                                                                      وقال النسائي وغيره : ثقة .

                                                                                      قال مكحول : ما زلت مضطلعا على من ناوأني حتى عاونهم علي رجاء بن حيوة ; وذلك أنه كان سيد أهل الشام في أنفسهم .

                                                                                      قلت : كان ما بينهما فاسدا ، وما زال الأقران ينال بعضهم من بعض ، ومكحول ورجاء إمامان ، فلا يلتفت إلى قول أحد منهما في الآخر .

                                                                                      قال يعقوب الفسوي كان رجاء قدم الكوفة مع بشر بن مروان ، فسمع منه أبو إسحاق وقتادة .

                                                                                      ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، قال : ما رأيت شاميا أفضل من رجاء بن حيوة .

                                                                                      وقال ضمرة ، عن رجاء بن أبي سلمة : ما من رجل من أهل الشام أحب إلي أن أقتدي به من رجاء بن حيوة .

                                                                                      ويروى عن رجاء بن حيوة ، قال : من لم يؤاخ إلا من لا عيب فيه قل صديقه ، ومن لم يرض من صديقه إلا بالإخلاص له دام سخطه ، ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه . [ ص: 559 ]

                                                                                      قال ربيعة بن يزيد القصير : وقف عبد الملك بن مروان في قراءته ، فقال لرجاء بن حيوة : ألا فتحت علي .

                                                                                      وكان عبد الله بن عون إذا ذكر من يعجبه ، ذكر رجاء بن حيوة قال الأصمعي : سمعت ابن عون يقول : رأيت ثلاثة ما رأيت مثلهم : محمد بن سيرين بالعراق ، والقاسم بن محمد بالحجاز ، ورجاء بن حيوة بالشام .

                                                                                      الأنصاري ، عن ابن عون ، قال : كان إبراهيم والشعبي والحسن ، يأتون بالحديث على المعاني ، وكان القاسم وابن سيرين ورجاء يعيدون الحديث على حروفه .

                                                                                      ضمرة ، عن رجاء بن أبي سلمة ، قال : كان يزيد بن عبد الملك يجري على رجاء بن حيوة ثلاثين دينارا في كل شهر ، فلما ولي هشام الخلافة قال : ما هذا برأي . فقطعها ، فرأى هشام أباه في النوم ، فعاتبه في ذلك ، فأجراها .

                                                                                      قلت : كان في نفس هشام [ منه شيء ] لكونه عمل على تأخير وقت وفاة أخيه سليمان ، وعقد الخلافة لابن عمه عمر بن عبد العزيز .

                                                                                      قال رجاء بن أبي سلمة : نظر رجاء بن حيوة إلى رجل ينعس بعد [ ص: 560 ] الصبح فقال : انتبه ; لا يظنون أن ذا عن سهر .

                                                                                      عبد الله بن بكر السهمي : حدثنا محمد بن ذكوان ، عن رجاء بن حيوة ، قال : كنت واقفا على باب سليمان إذ أتاني آت لم أره قبل ولا بعد ، فقال : يا رجاء ، إنك قد ابتليت بهذا وابتلي بك ، وفي قربه الوتغ فعليك بالمعروف وعون الضعيف ، يا رجاء ، من كانت له منزلة من سلطان ، فرفع حاجة ضعيف لا يستطيع رفعها ، لقي الله وقد شد قدميه للحساب بين يديه .

                                                                                      قلت : كان رجاء كبير المنزلة عند سليمان بن عبد الملك ، وعند عمر بن عبد العزيز ، وأجرى الله على يديه الخيرات ، ثم إنه بعد ذلك أخر ، فأقبل على شأنه .

                                                                                      فعن ابن عون ، قال : قيل لرجاء : إنك كنت تأتي السلطان فتركتهم ! فقال : يكفيني الذي أدعهم له .

                                                                                      وروى ضمرة ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، قال : كنا نجلس إلى عطاء الخراساني ، فكان يدعو بعد الصبح بدعوات ، فغاب فتكلم رجل من المؤذنين ، فأنكر رجاء بن حيوة صوته ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا يا أبا المقدام . قال : اسكت ; فإنا نكره أن نسمع الخير إلا من أهله . [ ص: 561 ]

                                                                                      قال صفوان بن صالح : حدثنا عبد الله بن كثير الدمشقي القارئ ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : كنا مع رجاء بن حيوة ، فتذاكرنا شكر النعم ، فقال : ما أحد يقوم بشكر نعمة ، وخلفنا رجل على رأسه كساء ، فقال : ولا أمير المؤمنين ؟ فقلنا : وما ذكر أمير المؤمنين هنا ! وإنما هو رجل من الناس . قال : فغفلنا عنه ، فالتفت رجاء فلم يره ، فقال : أتيتم من صاحب الكساء ، فإن دعيتم فاستحلفتم فاحلفوا . قال : فما علمنا إلا بحرسي قد أقبل عليه ، قال : هيه يا رجاء ، يذكر أمير المؤمنين ، فلا تحتج له ؟ ! قال : فقلت : وما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال : ذكرتم شكر النعم ، فقلتم : ما أحد يقوم بشكر نعمة ، قيل لكم : ولا أمير المؤمنين ، فقلت : أمير المؤمنين رجل من الناس ! فقلت : لم يكن ذلك . قال : آلله ؟ قلت : آلله .

                                                                                      قال : فأمر بذلك الرجل الساعي ، فضرب سبعين سوطا ، فخرجت وهو متلوث بدمه فقال : هذا وأنت رجاء بن حيوة . قلت : سبعين سوطا في ظهرك خير من دم مؤمن . قال ابن جابر : فكان رجاء بن حيوة بعد ذلك إذا جلس في مجلس يقول ويتلفت : احذروا صاحب الكساء .

                                                                                      قال مسلمة بن عبد الملك أمير السرايا : برجاء بن حيوة وبأمثاله ننصر .

                                                                                      قال يحيى بن معين : أدرك رجاء بن حيوة معاوية ، ومات في أول إمرة هشام .

                                                                                      وقال أبو عبيد ، وخليفة بن خياط مات سنة اثنتي عشرة ومائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية