الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم

                                                                                                          371 حدثنا علي بن حجر حدثنا عيسى بن يونس حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأنس والسائب وابن عمر قال أبو عيسى حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح وقد روي هذا الحديث عن إبراهيم بن طهمان بهذا الإسناد إلا أنه يقول عن عمران بن حصين قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة المريض فقال صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب حدثنا بذلك هناد حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم بهذا الحديث قال أبو عيسى ولا نعلم أحدا روى عن حسين المعلم نحو رواية إبراهيم بن طهمان وقد روى أبو أسامة وغير واحد عن حسين المعلم نحو رواية عيسى بن يونس ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن أشعث بن عبد الملك عن الحسن قال إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا واختلف أهل العلم في صلاة المريض إذا لم يستطع أن يصلي جالسا فقال بعض أهل العلم يصلي على جنبه الأيمن وقال بعضهم يصلي مستلقيا على قفاه ورجلاه إلى القبلة قال سفيان الثوري في هذا الحديث من صلى جالسا فله نصف أجر القائم قال هذا للصحيح ولمن ليس له عذر يعني في النوافل فأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسا فله مثل أجر القائم وقد روي في بعض هذا الحديث مثل قول سفيان الثوري

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عمران بن حصين ) وفي رواية البخاري : حدثني عمران بن حصين وكان مبسورا أي كانت به بواسير .

                                                                                                          [ ص: 308 ] قوله : " ومن صلاها نائما " أي مضطجعا قال الخطابي في المعالم : لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا ، فإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم تكن من بعض الرواة مدرجة في الحديث قياسا على صلاة القاعدة أو اعتبارا بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود دلت على جواز تطوع القادر على القعود مضطجعا قال : ولا أعلم أني سمعت نائما إلا في هذا الحديث ، وقال ابن بطال : وأما قوله : من صلى نائما فله نصف أجر القاعد فلا يصح معناه عند العلماء لأنهم مجمعون على أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماء ، قال وإنما دخل الوهم على ناقل الحديث .

                                                                                                          وتعقب ذلك العراقي فقال : أما نفي الخطابي وابن بطال للخلاف في صحة التطوع مضطجعا للقادر فمردود ، فإن في مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة ، وعند المالكية ثلاثة أوجه حكاها القاضي عياض في الإكمال ، أحدها الجواز مطلقا في الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض ، وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه فكيف يدعى مع هذا الخلاف القديم والحديث الاتفاق ، انتهى .

                                                                                                          وقد اختلف شراح الحديث في هذا هل هو محمول على التطوع أو على الفرض في حق غير القادر فحمله الخطابي على الثاني ، وهو محمل ضعيف لأن المريض المفترض الذي أتى بما يجب عليه من القعود والاضطجاع يكتب له جميع الأجر لا نصفه . وحمله سفيان الثوري وابن الماجشون على التطوع ، وحكاه النووي عن الجمهور وقال : إنه يتعين حمل الحديث عليه كذا في النيل .

                                                                                                          قلت : قال الخطابي : المراد بحديث عمر أن المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبا له في القيام مع جواز القعود ، انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الخطابي هذا وهو حمل متجه قال : فمن صلى فرضا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه ، وكان هو ومن صلى قائما سواء ، فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة ، فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم ، ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال . قال : ولا يلزم من اقتصار العلماء في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا تراد الصورة التي ذكرها الخطابي [ ص: 309 ] وقد ورد في الحديث ما يشهد لها ، فعند أحمد عن أنس قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة فحم الناس فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال : صلاة القاعد مثل صلاة القائم ، رجاله ثقات . وعند النسائي متابع له من وجه آخر ، وهو وارد في المعذور فيحمل عن من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابي ، انتهى كلام الحافظ مختصرا

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأنس ويزيد بن السائب ) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي بلفظ : ( صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة ولكني لست كأحد منكم ) . وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على الأرض في المكتوبة قاعدا ، وقعد في التسبيح في الأرض فأومى إيماء . قال الهيثمي في مجمع الزوائد : فيه حفص بن عمر قاضي حلب وهو ضعيف ، انتهى . وأما حديث يزيد بن السائب فلم أقف . وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في مجمع الزوائد والنيل .

                                                                                                          قوله : ( حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ( وقد روي هذا الحديث عن إبراهيم بن طهمان ) رواه البخاري .

                                                                                                          قوله : ( بهذا الإسناد ) أي عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين ( إلا أنه يقول ) أي إبراهيم بن طهمان ( فإن لم تستطع فقاعدا ) قال الحافظ : لم يبين كيفية القعود فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي ، وهو قضية كلام الشافعي في البويطي . وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا ، وقيل : يجلس مفترشا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني ، وصححه الرافعي ومن تبعه وقيل متوركا وفي كل منها أحاديث ، انتهى ( فعلى جنب ) في حديث علي عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه ، وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب ، وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة ، ووقع في حديث علي أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع ، واستدل به من قال لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى [ ص: 310 ] كالإشارة بالرأس ، ثم الإيماء بالطرف ، ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم القلب لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث ، وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية ( عن إبراهيم بن طهمان ) الخراساني أبي سعيد سكن نيسابور ، ثم مكة ثقة يغرب وتكلم فيه للإرجاء ويقال رجع عنه من السابعة ( لا نعلم أحدا روى عن حسين المعلم نحو رواية إبراهيم بن طهمان ، وقد روى أبو أسامة وغير واحد عن حسين المعلم نحو رواية عيسى بن يونس ) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه : ولا يؤخذ من ذلك تضعيف رواية إبراهيم كما فهمه ابن العربي تبعا لابن بطال ، ورد على الترمذي بأن رواية إبراهيم توافق الأصول ورواية غيره تخالفها ، فتكون رواية إبراهيم أرجح ; لأن ذلك راجع إلى الترجح من حيث المعنى لا من حيث الإسناد ، وإلا فاتفاق الأكثر على شيء يقتضي أن رواية من خالفهم تكون شاذة ، والحق أن الروايتين صحيحتان كما صنع البخاري ، وكل منهما مشتملة على حكم غير الحكم الذي اشتملت عليه الأخرى ، انتهى قوله : ( ومعنى هذا الحديث ) أي المذكور أولا من طريق عيسى بن يونس عن الحسين المعلم ( عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع ) حكاه النووي عن الجمهور كما تقدم ( عن الحسن ) هو الحسن البصري ( قال إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا ) قال الطيبي : وهل يجوز أن يصلي التطوع نائما مع القدرة على القيام أو القعود فذهب بعض إلى أنه لا يجوز ، وذهب قوم إلى جوازه فأجره نصف القاعد ، وهو قول الحسن وهو الأصح والأولى لثبوته في السنة ، انتهى . قلت : الظاهر الراجح عندي هو ما قال الطيبي . وقال القاري : ومذهب أبي حنيفة أنه لا يجوز ، فقيل هذا الحديث في حق المفترض المريض الذي أمكنه القيام أو القعود مع شدة وزيادة في المرض ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 311 ] قلت : هذا عندي خلاف الظاهر والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( فله مثل أجر القائم ، وقد روي في بعض الحديث مثل قول سفيان الثوري ) وهو ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه : إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم . قال الحافظ في الفتح وله شواهد كثيرة




                                                                                                          الخدمات العلمية