الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الرابعة والثلاثون قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا } . فيها ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : في سبب نزولها : يروى أنها نزلت في { رجل من المنافقين نازع رجلا من اليهود ، فقال اليهودي : بيني وبينك أبو القاسم ، وقال المنافق : بيني وبينك الكاهن . وقيل : قال المنافق : بيني وبينك كعب بن الأشرف ، يفر اليهودي ممن يقبل الرشوة ويريد المنافق من يقبلها . ويروى أن اليهودي قال له : بيني وبينك أبو القاسم . وقال المنافق : بيني وبينك الكاهن ، حتى ترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم لليهودي على المنافق ، فقال المنافق : لا أرضى ، بيني وبينك أبو بكر ; فأتيا أبا بكر فحكم أبو بكر لليهودي . فقال المنافق : لا أرضى ، بيني وبينك عمر . فأتيا عمر فأخبره اليهودي بما جرى ; فقال : أمهلا حتى أدخل بيتي في حاجة ، فدخل فأخرج سيفه ثم خرج ، فقتل المنافق ; فشكا أهله ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا رسول الله ; إنه رد حكمك . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أنت الفاروق } ، وفي ذلك نزلت الآية كلها إلى قوله : { ويسلموا تسليما } . ويروى في الصحيح أن { رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اسق يا زبير ، وأرسل الماء إلى جارك الأنصاري . فقال الأنصاري : آن كان ابن عمتك ، فتلون وجه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير : أمسك الماء حتى يبلغ الجدر ، ثم أرسله } . [ ص: 578 ] قال ابن الزبير عن أبيه : وأحسب أن الآية نزلت في ذلك : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } إلى آخره .

                                                                                                                                                                                                              قال مالك : الطاغوت كل ما عبد من دون الله من صنم أو كاهن أو ساحر أو كيفما تصرف الشرك فيه . وقوله : { آمنوا بما أنزل إليك } : يعني المنافقين ، أظهروا الإيمان . وبقوله : { وما أنزل من قبلك } : يعني اليهود ; آمنوا بموسى ، وذلك قوله : { رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا } ويذهبون إلى الطاغوت .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : اختار الطبري أن يكون نزول الآية في المنافق واليهودي ثم تتناول بعمومها قصة الزبير ، وهو الصحيح . وكل من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر ، لكن الأنصاري زل زلة فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه وأنها كانت فلتة ، وليس ذلك لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكل من لم يرض بحكم الحاكم بعده فهو عاص آثم .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : فيها أن يتحاكم اليهودي مع المسلم عند حاكم الإسلام ، وسيأتي في سورة المائدة إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية