الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما دخل النصارى فيما مضى؛ لأنهم من بني إسرائيل؛ خصهم بالذكر؛ لأن كفرهم أشد وأسمج؛ فقال: ومن الذين قالوا ؛ أي: مسمين أنفسهم؛ ملزمين لها النصرة لله؛ مؤكدين قولهم؛ ردا على من يرتاب فيه: إنا نصارى ؛ أي: مبالغون في نصرة الحق؛ فالتعبير بذلك دون "ومن النصارى"؛ تنبيه على أنهم تسموا بما لم يفوا به؛ أخذنا ؛ أي: بما لنا من العظمة؛ ميثاقهم ؛ أي: كما أخذ على الذين من قبلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كفرهم في غاية الظهور والجلاء؛ لم ينسبهم إلى غير الترك؛ فقال: فنسوا ؛ أي: تركوا ترك الناسي؛ حظا أي: [ ص: 61 ] نصيبا عظيما؛ يتنافس في مثله؛ مما ذكروا به ؛ أي: في الإنجيل؛ مما سبق لهم ذكره في التوراة؛ من أوصاف نبيه - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أدى ذلك إلى تشعبهم فرقا؛ فأنتج تشاحنهم؛ وتقاطعهم؛ وتدابرهم؛ سبب عنه قوله: فأغرينا ؛ أي: ألصقنا بعظمتنا؛ إلصاق ما هو بالغراء؛ لا ينفك؛ بل يصير كجزء الشيء؛ بينهم ؛ أي: النصارى؛ بعد أن جعلناهم فرقا متباينين؛ بتفريق الدين؛ وكذا بينهم وبين اليهود؛ العداوة ؛ ولما كانت العداوة قد تكون عن بغي؛ ونحوه؛ إذا زال زالت؛ أو خفت؛ قال معلما أنها لأمر باطني؛ نشأ من تزيين الهوى؛ فهو ثابت غير منفك؛ والبغضاء ؛ بالأهواء المختلفة؛ إلى يوم القيامة

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبر بنكدهم في الدنيا؛ أعقبه ما لهم في الأخرى؛ فقال: وسوف ينبئهم ؛ أي: يخبرهم؛ الله ؛ أي: الملك الأعلى؛ المحيط بكل شيء قدرة وعلما؛ إخبارا بعظيم الشأن بما فيه من عظم التقريع والتوبيخ في الآخرة؛ بوعيد لا خلف فيه; ولما كانت خيانتهم قد صارت لهم فيها ملكات؛ بما لازموا منها؛ حتى ضربوا بها؛ وتدربوا عليها؛ حتى [ ص: 62 ] صارت لهم أحوالا لأنفسهم؛ وأخلاقا لقلوبهم؛ سماها صنائع؛ فقال: بما كانوا يصنعون ؛ أي: دربوا أنفسهم عليه؛ حتى صار كالصنعة؛ فيجازيهم عليه بما يقيم عليهم من الحجة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية