الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب من اجتزأ بتسليمة واحدة

                                                                                                                                            800 - ( عن هشام عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة ، فيحمد الله ويذكره ويدعو ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة فيجلس فيذكر الله ويدعو ثم يسلم تسليمة يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس ، فلما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة ، ثم ينهض ولا يسلم فيصلي السابعة ، ثم يسلم تسليمة ثم يصلي ركعتين وهو جالس } . رواه أحمد والنسائي ، وفي رواية لأحمد في هذه القصة { ثم يسلم تسليمة واحدة السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا } ) .

                                                                                                                                            801 - ( وعن ابن عمر قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            أما حديث عائشة فأخرج نحوه أيضا الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والدارقطني بلفظ : { إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه } قال الدارقطني في العلل : رفعه عن زهير بن محمد عن هشام عن أبيه عنها عمرو بن أبي سلمة وعبد الملك الصنعاني وخالفهما الوليد فوقفه عليها ، وقال عقبة : قال الوليد : قلت لزهير : أبلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء ؟ قال : نعم ، أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبين أن الرواية المرفوعة وهم وكذا رجح رواية الوقف الترمذي والبزار وأبو حاتم ، وقال في المرفوع : إنه منكر . وقال ابن عبد البر : لا يصح مرفوعا ولم يرفعه عن هشام غير زهير ، وهو ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به ا هـ . وزهير لا ينتهي إلى هذه الدرجة في التضعيف ، فقد قال أحمد : إنه مستقيم الحديث . وقال صالح بن محمد : إنه ثقة صدوق . وقال موسى بن هارون أرجو أنه صدوق . وقال الدارمي : ثقة له أغاليط كثيرة ، ووثقه ابن معين .

                                                                                                                                            وقال أبو حاتم : محله الصدق وفي حفظه سوء . وقد أخرج [ ص: 350 ] له الشيخان ، ولكنه روى الترمذي عن البخاري عن أحمد بن حنبل أنه قال : كأن زهير بن محمد هذا ليس هو الذي يروى عنه بالعراق ، وكأنه رجل آخر قلبوا اسمه وقال الحاكم : رواه وهيب عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة مرفوعا وهذا إسناد صحيح . ورواه بقي بن مخلد في مسنده من رواية عاصم عن هشام بن عروة مرفوعا ، وهاتان الطريقتان فيهما متابعة لزهير فيقوى حديثه . قال الحافظ : وعاصم عندي هو ابن عمر وهو ضعيف ، وهم من زعم أنه ابن سليمان الأحول . وأخرجه ابن حبان في صحيحه والسراج في مسنده عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة باللفظ الذي ذكره المصنف .

                                                                                                                                            قال الحافظ : وإسناده على شرط مسلم ، ولم يستدركه الحاكم مع أنه أخرج حديث زهير بن محمد انتهى وقد قدمنا أنه أخرج له البخاري أيضا فهو على شرطهما لا على شرط مسلم فقط ، وبما ذكرنا تعرف عدم صحة قول العقيلي ، ولا يصح في تسليمة واحدة شيء . وكذا قول ابن القيم إنه لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح .

                                                                                                                                            وأما حديث ابن عمر فأخرجه أيضا ابن حبان وابن السكن في صحيحيهما والطبراني من حديث إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر بلفظ { كان يفصل بين الشفع والوتر } وقد عقد صاحب مجمع الزوائد لذلك بابا فقال : باب الفصل بين الشفع والوتر . عن عائشة قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحجرة وأنا في البيت ، فيفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها } رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه إبراهيم بن سعد وهو ضعيف انتهى ، ولم يذكر في هذا الباب إلا هذا الحديث

                                                                                                                                            وفي الباب عن سهل بن سعد عند ابن ماجه بلفظ : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه } وفي إسناده عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد . وقد قال البخاري : إنه منكر الحديث .

                                                                                                                                            وقال النسائي : متروك . وعن سلمة بن الأكوع عند ابن ماجه أيضا بلفظ { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فسلم مرة واحدة } وفي إسناده يحيى بن راشد البصري . قال : يحيى ليس بشيء وقال النسائي : ضعيف وعن أنس عند ابن أبي شيبة { أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم تسليمة واحدة } وعن الحسن مرسلا { أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة } ذكره ابن أبي شيبة . وقال : حدثنا أبو خالد عن حميد قال : كان أنس يسلم واحدة ، وحدثنا أبو خالد عن سعيد بن مرزبان قال : صليت خلف ابن أبي ليلى فسلم واحدة ثم صليت خلف علي فسلم واحدة ، وذكر مثله عن أبي وائل ويحيى بن وثاب وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن سيرين والقاسم بن محمد وعائشة وأنس وأبي العالية وأبي رجاء وابن أبي أوفى وابن عمر وسعيد بن جبير وسويد وقيس بن أبي حازم بأسانيده إليهم ، وذكر عبد الرزاق عن الزهري قال الترمذي : ورأى قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم تسليمة [ ص: 351 ] واحدة في المكتوبة ، قال : وأصح الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليمتان ، وعليه أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم انتهى

                                                                                                                                            وقد احتج بهذه الأحاديث المذكورة ههنا من قال بمشروعية تسليمة واحدة ، وقد قدمنا ذكرهم في الباب الأول ، وقد اشتمل حديث عائشة على صفتين من صفات صلاة الوتر ، وسيأتي الكلام على ذلك في بابه وكذلك يأتي الكلام في صلاة الركعتين بعد الوتر .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية