الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        407 380 - وأما حديثه عن نافع ، أن عبد الله بن عمر مر على رجل وهو يصلي فسلم عليه فرد الرجل كلاما ، فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال له : إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم وليشر [ ص: 292 ] بيده .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        9054 - وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب ولا سنة أن يسلم على المصلي .

                                                                                                                        9055 - واختلفوا هل يسلم عليه في المسجد أو غيره أم لا ؟ .

                                                                                                                        9056 - فذهب منهم ذاهبون إلى أنه لا يجوز أن يسلم عليه ; لأنه في شغل عن رد السلام ، وإنما السلام على من يمكنه رده .

                                                                                                                        9057 - واحتجوا بحديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سلم عليه والنبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 293 ] يصلي فلم يرد عليه ، فلما سلم قال : إن في الصلاة شغلا .

                                                                                                                        9058 - وقال آخرون : جائز أن يسلم على المصلي ويرد إشارة لا كلاما ; لحديث ابن عمر عن صهيب أنه حدثه قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد بني عمرو بن عوف ، فكان الأنصار يدخلون وهو يصلي فيسلمون فيرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إشارة بيده فكان ابن عمر يفتي بهذا .

                                                                                                                        9059 - رواه مالك ، وأيوب ، وابن جريج ، وعبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن صهيب بمعنى واحد كما ذكره مالك .

                                                                                                                        9060 - ورواه الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر مثله .

                                                                                                                        9061 - وقد تأول بعض أهل العلم في حديث صهيب هذا أن إشارته - صلى الله عليه وسلم - كانت إليهم ألا تفعلوا وهذا وإن كان محتملا ففيه بعد ، والأول أظهر .

                                                                                                                        9062 - وقد روى عبد الرزاق وغيره عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن [ ص: 294 ] عطاء ، قال : رأيت موسى بن عبد الله بن جميل الجمحي سلم على ابن عباس ، وابن عباس يصلي في الكعبة فأخذ ابن عباس بيده .

                                                                                                                        9063 - وهذا يحتمل التأويل أيضا .

                                                                                                                        9064 - وجاء عن ابن مسعود في هذا الباب مثل مذهب ابن عمر ، أنه كان إذا سلم عليه وهو يصلي أشار بيده .

                                                                                                                        9065 - وأما جابر بن عبد الله فذكر عبد الرزاق عن الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، قال : لو مررت بقوم يصلون ما سلمت عليهم .

                                                                                                                        9066 - وعن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : أنا أكره أن أسلم عليهم .

                                                                                                                        9066 م - وعن الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : إذا سلم عليه في الصلاة فلا ترد ، فإذا انصرفت فإن كان قريبا فرد ، وإن كان بعيدا قد ذهب فأتبعه السلام .

                                                                                                                        9067 - ولم يختلف الفقهاء أن من رد السلام وهو يصلي كلاما مفهوما مسموعا أنه قد أفسد صلاته .

                                                                                                                        9068 - وهذا قول مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، وأحمد ، وإسحاق ، وجمهور أهل العلم .

                                                                                                                        9069 - وقد روي عن طائفة من التابعين منهم : الحسن ، وقتادة أنهم أجازوا أن يرد السلام كلاما وهو يصلي .

                                                                                                                        9070 - وقال من ذهب مذهبهم من المتأخرين السالكين سبيل الشذوذ : إن الكلام المنهي عنه في الصلاة هو ما لا يحتاج إليه في الصلاة ، وأما رد السلام فهو [ ص: 295 ] فرض على من سلم عليه في الصلاة وغيرها ، فمن فعل ما يجب عليه فعله لم تفسد صلاته .

                                                                                                                        9071 - وقد أجاز ابن القاسم وأكثر أصحابنا الكلام في شأن إصلاح الصلاة .

                                                                                                                        9072 - قال أبو عمر : الحجة في هذا الباب حديث زيد بن أرقم : " كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت : " وقوموا لله قانتين " [ البقرة : 238 ] فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام " .

                                                                                                                        9073 - وحديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث ألا تتكلموا في الصلاة " .

                                                                                                                        9074 - فلا يجوز الكلام في الصلاة ; لأنه أمر كان ونسخ ، والمنسوخ لا يجوز العمل به .

                                                                                                                        9075 - وأما حديث هذا الباب فظاهره أن ابن عمر لم يأمر الرجل بإعادة ، وقال له : إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم وليشر بيده .

                                                                                                                        9076 - ويحتمل أن يكون مذهب ابن عمر في هذا مذهب الحسن ومن قال بقوله .

                                                                                                                        [ ص: 296 ] 9077 - ويحتمل أن يكون أمره بالإعادة فلم ينقل ذلك ; لعلم المخاطب بوجوبه ، فكأنه قد قال له : فلا تتكلم فمن تكلم فقد أفسد على نفسه صلاته ، وقد أعلمتك بما عليه مذاهب أهل الفتوى من أئمة الأمصار ، وهو اللباب من العلم والاختيار ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية