الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        البحث الخامس : بحث اعتبار المجتهد المبتدع في الإجماع

                        هل يعتبر في الإجماع المجتهد المبتدع ، إذا كانت بدعته تقتضي تكفيره ؟

                        فقيل : لا يعتبر في الإجماع . قال الزركشي : بلا خلاف ، لعدم دخوله في مسمى الأمة المشهود لهم بالعصمة ، وإن لم يعلم هو كفر نفسه . قال الصفي الهندي : لو ثبت لكان لا يمكن الاستدلال بإجماعنا على كفره بسبب ذلك الاعتقاد ; لأنه إنما ينعقد إجماعنا وحده على كفره لو ثبت كفره ، وإثبات كفره بإجماعنا وحده دور .

                        وأما إذا وافقنا هو على ما ذهب إليه كفر ، فحينئذ يثبت كفره ; لأن قوله معتبر في الإجماع على أنه كافر ، لا لإجماعنا وحده ، وأما إذا اعتقد ما لا يقتضي التكفير ، بل التضليل والتبديع ، فاختلفوا فيه على أقوال : الأول : اعتبار قوله في الإجماع ، لكونه من أهل الحل والعقد . قال الهندي وهو الصحيح .

                        الثاني : لا يعتبر ، قال الأستاذ أبو منصور قال أهل السنة : لا يعتبر في [ ص: 254 ] الإجماع وفاق القدرية والخوارج والرافضة .

                        وهكذا رواه أشهب عن مالك ورواه العباس بن الوليد عن الأوزاعي ، ورواه أبو سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن وحكاه أبو ثور عن أئمة الحديث .

                        قال أبو بكر الصيرفي : ولا يخرج عن الإجماع من كان من أهل العلم ، وإن اختلفت بهم الأهواء ، كمن قال بالقدر ، ومن رأى الإرجاء ، وغير ذلك من اختلاف آراء أهل الكوفة والبصرة ، إذا كان من أهل الفقه .

                        فإذا قيل : قالت الخطابية والرافضة كذا لم يلتفت إلى هؤلاء في الفقه ; لأنهم ليسوا من أهله .

                        قال ابن القطان الإجماع عندنا إجماع أهل العلم ، فأما من كان من أهل الأهواء ، فلا مدخل له فيه .

                        قال : قال أصحابنا في الخوارج : لا مدخل لهم في الإجماع والاختلاف ; لأنهم ليس لهم أصل ينقلون عنه ، لأنهم يكفرون سلفنا الذين أخذنا عنهم أصل الدين .

                        [ ص: 255 ] وممن اختار أنه لا يعتد به من الحنفية أبو بكر الرازي ، ومن الحنابلة القاضي أبو يعلى ، واستقرأه من كلام أحمد لقوله : لا يشهد عندي رجل ليس هو عندي بعدل ، وكيف أجوز حكمه ؟ قال القاضي يعني الجهمي :

                        القول الثالث : أنه لا ينعقد عليه الإجماع ، وينعقد على غيره ، يعني أنه يجوز له مخالفة من عداه إلى ما أدى إليه اجتهاده ، ولا يجوز لأحد أن يقلده ، كذا حكاه الآمدي وتابعه المتأخرون .

                        القول الرابع : التفصيل بين من كان من المجتهدين المبتدعين داعية ، فلا يعتبر في الإجماع ، وبين من لم يكن داعية ، فيعتبر . حكاه ابن حزم في كتاب الإحكام ونقله عن جماهير سلفهم من المحدثين ، قال : وهو قول فاسد ; لأنا نراعي العقيدة .

                        قال القاضي أبو بكر والأستاذ أبو إسحاق : أنه لا يعتد بخلاف من أنكر القياس ، ونسبه إلى الجمهور ، وتابعهم إمام الحرمين والغزالي ، قالوا : لأن من أنكره لا يعرف طرق الاجتهاد ، وإنما هو متمسك بالظواهر ، فهو كالعامي الذي لا معرفة له .

                        ولا يخفاك أن هذا التعليل يفيد خروج من عرف القياس ، وأنكر العمل به كما كان من كثير من الأئمة ، فإنهم أنكروه عن علم به لا عن جهل له .

                        قال النووي في باب السواك من شرح مسلم : إن مخالفة داود لا تقدح في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون .

                        وقال صاحب المفهم : جل الفقهاء والأصوليين أنه لا يعتد بخلافهم ، بل هم من جملة العوام ، وإن من اعتد بهم فإنما ذلك لأن مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام في انعقاد الإجماع ، والحق خلافه .

                        [ ص: 256 ] وقال القاضي عبد الوهاب في الملخص : يعتبر كما يعتبر خلاف من ينفي المراسيل ، ويمنع العموم ، ومن حمل الأمر على الوجوب ; لأن مدار الفقه على هذه الطرق .

                        وقال الجويني : المحققون لا يقيمون لخلاف الظاهرية وزنا ; لأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد ، ولا تفي النصوص بعشر معشارها .

                        ويجاب عنه : بأن من عرف نصوص الشريعة حق معرفتها ، وتدبر آيات الكتاب العزيز ، وتوسع في الاطلاع على السنة المطهرة ، علم بأن نصوص الشريعة تفي بجميع ما تدعو الحاجة إليها في جميع الحوادث ، وأهل الظاهر فيهم من أكابر الأئمة وحفاظ الشريعة المتقيدين بنصوص الشريعة ، جمع جم ، ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة ، التي لم يدل عليها كتاب ، ولا سنة ، ولا قياس مقبول .


                        وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

                        نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها ، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه ألبتة قليلة جدا .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية