الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ لا يعمل بالفتوى حتى يطمئن لها قلب المستفتي ] الفائدة السادسة والخمسون : لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه ، وحاك في صدره من قبوله ، وتردد فيها ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك } فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولا ، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه ، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه ; فإنما أقطع له قطعة من نار } والمفتي والقاضي في هذا سواء ، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن ، سواء تردد أو حاك في صدره ، لعلمه بالحال في الباطن ، أو لشكه فيه ، أو لجهله به ، أو لعلمه جهل المفتي أو محاباته في فتواه أو عدم تقييده بالكتاب والسنة أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها ; فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي يسأل ثانيا وثالثا حتى تحصل له الطمأنينة ; فإن لم يجد فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة .

فإن كان في البلد مفتيان أحدهما أعلم من الآخر فهل يجوز استفتاء المفضول مع [ ص: 196 ] وجود الفاضل ؟ فيه قولان للفقهاء ، وهما وجهان لأصحاب الشافعي وأحمد ; فمن جوز ذلك رأى أنه يقبل قوله إذا كان وحده ، فوجود من هو أفضل منه لا يمنع من قبول قوله كالشاهد ، ومن منع استفتاءه قال : المقصود حصول ما يغلب على الظن الإصابة ، وغلبة الظن بفتوى الأعلم أقوى فيتعين ، والحق التفصيل بأن المفضول إن ترجح بديانة أو ورع أو تحر للصواب ، وعدم ذلك الفاضل فاستفتاء المفضول جائز إن لم يتعين ، وإن استويا فاستفتاء الأعلم أولى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية