الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 246 ] وقوله : قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ؛ " الساعة " : اسم للوقت الذي يصعق فيه العباد؛ واسم للوقت الذي يبعث فيه العباد؛ والمعنى : إن أتتكم الساعة التي وعدتم فيها بالبعث والفناء؛ لأن قبل البعث موت الخلق كله. وقوله - جل وعز - : أغير الله تدعون ؛ أي : أتدعون هذه الأصنام والحجارة التي عبدتموها من دون الله؟ فاحتج الله عليهم بما لا يدفعونه؛ لأنهم كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله؛ وقال النحويون في هذه الكاف التي في قوله : " أرأيتكم " ؛ غير قول؛ قال الفراء : لفظها لفظ نصب؛ وتأويلها تأويل رفع؛ قال : ومثلها الكاف في قوله : " دونك زيدا " ؛ قال : الكاف في موضع خفض؛ وتأويلها تأويل الرفع؛ لأن المعنى : " خذ زيدا " ؛ وهذا لم يقله من تقدم من النحويين؛ وهو خطأ؛ لأن قولك : " أرأيتك زيدا ما شأنه؟ " تصير " أرأيت " ؛ قد تعدت إلى الكاف؛ وإلى زيد؛ فيصير لـ " رأيت " ؛ اسمان؛ فيصير المعنى : " أرأيت نفسك زيدا ما حاله؟ " ؛ وهذا محال؛ والذي يذهب إليه النحويون الموثوق بعلمهم أن الكاف لا موضع لها؛ وإنما المعنى : " أرأيت زيدا ما حاله؟ " ؛ وإنما الكاف زيادة في بيان الخطاب؛ وهي المعتمد عليها في الخطاب؛ اعلم أنك تقول - إذا كانت الكاف زائدة للخطاب؛ للواحد الذكر - : " أرأيتك زيدا ما حاله؟ " ؛ بفتح التاء؛ والكاف؛ وتقول للمؤنث : " أرأيتك زيدا ما حاله يا امرأة " ؛ وتفتح على أصل خطاب الذكر؛ وتكسر الكاف؛ لأنها قد صارت آخر ما في الكلمة؛ والمبينة عن الخطاب؛ وتقول [ ص: 247 ] للاثنين : " أرأيتكما زيدا ما حاله؟ " ؛ و " أرأيتكم زيدا ما حاله " ؛ للجماعة؛ فتوحد التاء؛ فكما وجب أن توحدها في التثنية والجمع؛ وجب أن تذكرها مع المؤنث؛ فإذا سألت النسوة قلت : " أرأيتكن زيدا ما حاله؟ " ؛ وتثنية المؤنث كتثنية المذكر في كل شيء؛ فإن عديت الفاعل إلى المفعول في هذا الباب؛ صارت الكاف مفعوله؛ تقول : " رأيتني عالما بفلان " ؛ فإذا سألت عن هذا الشرط قلت للرجل : " أرأيتك عالما بفلان؟ " ؛ وتقول للاثنين على هذا : " أرأيتاكما عالمين بفلان؟ " ؛ وللجميع : " أرأيتموكم عالمين بفلان؟ " ؛ لأن هذا في تأويل " أرأيتم أنفسكم؟ " ؛ وتقول للمرأة : " أرأيتك عالمة بفلان " ؛ بكسر التاء والكاف؛ وتقول للاثنين : " أرأيتماكما عالمين بفلان؟ " ؛ وللجماعة : " أرأيتكن عالمات بفلان؟ " ؛ فعلى هذا قياس هذين البابين.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية