الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الشطر الثاني من الكتاب .

في طلب الجاه والمنزلة بالعبادات ، وهو الرياء ، وفيه .

بيان ذم الرياء .

وبيان حقيقة الرياء ،
وما يرائي به ، وبيان درجات الرياء ، وبيان الرياء الخفي ، وبيان ما يحبط العمل من الرياء ، وما لا يحبط ، وبيان دواء الرياء وعلاجه ، وبيان الرخصة في إظهار الطاعات ، وبيان الرخصة في كتمان الذنوب ، وبيان ترك الطاعات ؛ خوفا من الرياء والآفات ، وبيان ما يصح من نشاط العبد للعبادات بسبب رؤية الخلق ، وبيان ما يجب على المريد أن يلزمه قلبه قبل الطاعة وبعدها .

وهي عشرة فصول وبالله التوفيق بيان ذم الرياء .

اعلم أن الرياء حرام والمرائي عند الله ممقوت وقد شهدت لذلك الآيات والأخبار والآثار .

أما الآيات فقوله تعالى : فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون وقوله عز وجل : والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور قال مجاهد : هم أهل الرياء .

وقال تعالى : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا فمدح المخلصين ينفي كل إرادة سوى وجه الله ، والرياء ضده ، وقال تعالى : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا .

نزل ذلك فيمن يطلب الأجر والحمد بعباداته وأعماله .

وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل فقال : « يا رسول الله فيم النجاة ? فقال : أن لا يعمل العبد بطاعة الله يريد بها الناس وقال أبو هريرة في حديث الثلاثة ؛ المقتول في سبيل الله ، والمتصدق بماله ، والقارئ لكتاب الله كما ، أوردناه في كتاب الإخلاص وإن الله عز وجل يقول لكل واحد منهم : كذبت بل أردت أن يقال : فلان جواد ، كذبت بل أردت أن يقال : فلان شجاع ، كذبت بل أردت أن يقال : فلان قارئ ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم لم يثابوا وأن رياءهم هو الذي أحبط أعمالهم وقال ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: من راءى راءى الله به ، ومن سمع سمع الله به .

وفي حديث آخر طويل إن الله تعالى يقول لملائكته : إن هذا لم يردني بعمله ، فاجعلوه في سجين وقال صلى الله عليه وسلم: : إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟! وقال صلى الله عليه وسلم: ، استعيذوا بالله عز وجل من جب الحزن ، قيل : وما هو يا رسول الله ? قال : واد في جهنم أعد للقراء المرائين وقال صلى الله عليه وسلم: : يقول الله عز وجل: : « من عمل عملا أشرك فيه غيري فهو له كله ، وأنا منه بريء ، وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك .

وقال ، عيسى المسيح صلى الله عليه وسلم : « إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن رأسه ولحيته ويمسح شفتيه ؛ لئلا يرى الناس أنه صائم ، وإذا أعطى بيمينه فليخف عن شماله ، وإذا صلى فليرخ ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق » وقال نبينا صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله عز وجل عملا فيه مثقال ذرة من رياء .

وقال عمر لمعاذ بن جبل حين رآه يبكي ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من صاحب هذا القبر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أدنى الرياء شرك» وقال صلى الله عليه وسلم: « إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية» وهي أيضا ترجع إلى خفايا الرياء ودقائقه وقال صلى الله عليه وسلم: إن في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله رجلا تصدق بيمينه ، فكاد أن يخفيها عن شماله .

ولذلك ورد أن فضل « عمل السر على عمل الجهر بسبعين ضعفا » وقال صلى الله عليه وسلم: « إن المرائي ينادى يوم القيامة : يا فاجر ، يا غادر ، يا مرائي ، ضل عملك ، وحبط أجرك ، اذهب فخذ أجرك ممن كنت تعمل له» .

، وقال شداد بن أوس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يبكي فقلت : ما يبكيك يا رسول الله قال : إني تخوفت على أمتي الشرك ، أما إنهم لا يعبدون صنما ولا شمسا ولا قمرا ولا حجرا ، ولكنهم يراءون بأعمالهم .

التالي السابق


(الشطر الثاني من الكتاب) *

(في طلب الجاه والمنزلة) في قلوب الناس (بالعبادات، وهو الرياء، وفيه بيان ذم الرياء، وبيان حقيقة الرياء، وما يرائي به، وبيان درجات الرياء، وبيان الرياء الخفي، وبيان ما يحبط العمل من الرياء، وما لا يحبط، وبيان دواء الرياء وعلاجه، وبيان الرخصة في إظهار الطاعات، وبيان الرخصة في كتمان الذنوب، وبيان ترك الطاعات؛ خوفا من الرياء والآفات، وبيان ما يصح من نشاط العبد للعبادة بسبب رؤية الخلق، وما لا يصح، وبيان ما يجب على المريد أن يلزم قلبه قبل الطاعات وبعدها، وهي عشرة فصول على الترتيب المذكور) .

* (بيان ذم الرياء) *

* (اعلم) وفقك الله تعالى (أن الرياء حرام والمرائي) وهو المتصف به (عند الله ممقوت) أي: مبغوض أشد البغض (وقد شهدت بذلك الآيات والأخبار والآثار، أما الآيات فقوله تعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) أي: غافلون غير مبالين بها ( الذين هم يراءون ) أي: يرون الناس أعمالهم ليروهم الثناء عليها، والفاء جزائية أو سببية (وقوله -عز وجل-: والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور قال مجاهد: هم أهل الرياء، وقال تعالى: إنما نطعمكم لوجه الله ) على إرادة القول بلسان الحال أو المقال ( لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) أي: شكرا (فمدح المخلصين) من عباده (بنفي كل إرادة سوى وجه الله تعالى، والرياء هو ضده، وقال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه ) أي: يأمل حسن لقائه وثوابه ( فليعمل عملا صالحا ) يرتضيه الله ( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) بأن يرائيه، أو يطلب منه أجرا (أنزلت فيمن يطلب الأجر والحمد بعباداته وأعماله) .

قال العراقي: رواه الحاكم من حديث طاوس، قال رجل: "إني أقف الموقف أبتغي وجه الله، وأحب أن يرى موطني، فلم يرد عليه، حتى نزلت هذه الآية" هكذا في نسخة من المستدرك، ولعله سقط منه ابن عباس أو أبو هريرة. انتهى .

ووجد بخط الحافظ ابن حجر بإزائه: هو ابن عباس، وبخط الكمال الدميري: الساقط من نسخة المصنف أبو هريرة، وهو ثابت في غيرها من النسخ، انتهى ما وجدته .

قلت: رواه عبد الرزاق، وابن أبي الدنيا في الإخلاص، وابن أبي حاتم، والحاكم، عن طاوس هكذا، ولم يذكروا فيه ابن عباس ولا أبا هريرة.

ورواه الحاكم أيضا وصححه، والبيهقي، عن طاوس، عن ابن عباس، كما ذكره الحافظ ابن حجر.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: "كان من المسلمين من يقاتل وهو يحب أن يرى مكانه، فأنزل: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا الآية.

وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج، عن مجاهد قال: "قال رجل: يا رسول الله! أعتق وأحب أن يرى، وأتصدق وأحب أن يرى، فنزلت: فمن كان يرجو الآية.

وأخرج ابن منده، وأبو نعيم في الصحابة، وابن عساكر من طريق السدي الصغير، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: "كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدق فذكر بخير ارتاح له، فزاد في ذلك؛ لمقالة الناس، فنزل في ذلك: فمن كان يرجو لقاء ربه الآية".

ثم قال العراقي: للبزار من حديث معاذ بسند ضعيف: "من صام رياء فقد أشرك" الحديث، وفيه أنه -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية. انتهى .

قلت: ورواه من حديث عبد الرحمن بن غنم الأشعري، وهو مختلف في صحبته أنه قال لمعاذ: [ ص: 262 ] أنا سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من صام رياء فقد أشرك، ومن صلى رياء فقد أشرك، ومن تصدق رياء فقد أشرك، قال: بلى، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية: فمن كان يرجو لقاء ربه فشق ذلك على القوم، واشتد عليهم، فقال ألا أخرجها عنكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: هي مثل الآية التي في الروم: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله فمن عمل رياء لم يكتب له ولا عليه.

(وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل: "يا رسول الله فيم النجاة؟ فقال: أن لا يعمل العبد بطاعة الله يريد بها الناس") أغفله العراقي.

وقرأت في كتاب الفقيه أبي الليث السمرقندي قال: أخبرنا بإسناده عن جبلة اليحصبي قال: كنا في غزاة مع عبد الملك بن مروان، فصحبنا رجل، فسهر لا ينام في الليل إلا أقله، فمكثنا أياما لا نعرفه، ثم عرفناه بعد ذلك، فإذا هو رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان فيما حدثنا أن قائلا من المسلمين قال: "يا رسول الله: فيم النجاة غدا؟ قال: أن لا تخادع الله، قال: كيف نخادع الله؟ قال: أن تعمل بما أمرك الله وتريد به غير وجه الله" الحديث، وسيأتي تمامه فيما بعد .

(وروي عن أبي هريرة) رضي الله عنه (في حديث الثلاثة؛ المقتول في سبيل الله، والمتصدق بماله، والقارئ لكتاب الله، أوردناه) بتمامه (في كتاب الإخلاص) وفيه: (فإن الله -عز وجل- يقول لكل واحد منهم: كذبت بل أردت أن يقال: فلان جواد، كذبت بل أردت أن يقال: فلان شجاع، كذبت بل أردت أن يقال: فلان قارئ، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم لم يثابوا) بما عملوا (وأن رياءهم هو الذي أحبط أعمالهم) رواه مسلم، وسيأتي في كتاب الإخلاص .

(وقال ابن عمر) رضي الله عنه: (قال صلى الله عليه وسلم: "من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به") قال العراقي: متفق عليه من حديث جندب بن عبد الله.

وأما حديث ابن عمر: فرواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب من رواية شيخ يكنى أبا يزيد عنه، بلفظ: "من سمع الناس بعمله سمع الله به مسامع خلقه، وحقره وصغره".

وفي الزهد لابن المبارك، ومسند أحمد، وابن منيع، أنه من حديث عبد الله بن عمرو. انتهى .

قلت: حديث جندب أخرجه كذلك ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه، وأبو عوانة، وابن حبان، والبغوي، بلفظ: "من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به، ومن شق شق الله عليه يوم القيامة" ورواه بدون الجملة الأخيرة أحمد ومسلم من حديث ابن عباس، ومسلم وابن ماجه والبيهقي في الأسماء والصفات من حديث جندب، وأحمد والطبراني وأبو الشيخ من حديث أبي بكرة.

وأما حديث ابن عمر فأخرجه كذلك ابن أبي شيبة، وهناد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية .

وروى أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجه، وأبو يعلى من حديث أبي سعيد بلفظ: "من يرائي يرائي الله به، ومن يسمع يسمع الله به".

(وفي حديث آخر طويل أن الله -عز وجل- يقول لملائكته: "إن هذا لم يردني بعمله، فاجعلوه في سجين") وهي دركة من دركات جهنم، قال مجاهد: "هي تحت الأرض السفلى، فيها أرواح الكفار وأعمالهم أعمال السوء" قال العراقي: رواه ابن المبارك في الزهد، ومن طريقه ابن أبي الدنيا في الإخلاص، وأبو الشيخ في كتاب العظمة من رواية ضمرة بن حبيب، مرسلا. ورواه ابن الجوزي في الموضوعات. انتهى .

قلت: رواه ابن المبارك، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن ضميرة بن حبيب قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة يرفعون عمل عبد من عباد الله فيستكثرونه ويزكونه حتى ينتهوا به إلى حيث يشاء الله من سلطانه، فيوحي الله إليهم: إنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه، إن عبدي هذا لم يخلص لي عمله، فاكتبوه في سجين. ويصعدون بعمل عبد فيستقلونه ويحتقرونه، حتى ينتهوا به إلى حيث شاء الله من سلطانه، فيوحي الله إليهم إنكم حفظة على عمل عبدي، وأنا رقيب على ما في نفسه، إن عبدي هذا قد أخلص لي عمله، فاكتبوه في عليين" فهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله: وفي حديث آخر طويل .

وأخرج ابن مردويه في التفسير من حديث جابر بن عبد الله قال: حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أن الملك يرفع العمل للعبد يرى أن في يديه منه سرورا، حتى ينتهي إلى الميقات الذي وضعه الله، فيضع العمل فيه، فيناديه الجبار من فوقه ارم بما معك في سجين، فيقول الملك: ما رجعت إليك إلا حقا، فيقول: صدقت، ارم بما معك في سجين".

وأخرج [ ص: 263 ] البزار والبيهقي من حديث أنس، رفعه، قال: "تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله -عز وجل- يوم القيامة في صحف مختمة، فيقول الله -عز وجل-: ألقوا هذا، واقبلوا هذا، وتقول الملائكة: يا رب، والله ما رأينا منه إلا خيرا، فيقول: إن عمله كان لغير وجهي، ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما أريد به وجهي".

(وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله -عز وجل- يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟!") قال العراقي: رواه أحمد، والبيهقي في الشعب من حديث محمود بن لبيد، وله رواية، ورجاله ثقات، ورواه الطبراني من رواية محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج. انتهى .

قلت: سياق المصنف هو سياق أحمد والبيهقي، وأما سياق حديث الطبراني فلفظه: "يقال لمن يفعل ذلك إذا جاء الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون، فاطلبوا ذلك عندهم" ورواه ابن مردويه في التفسير من حديث أبي هريرة بنحوه .

(وقال صلى الله عليه وسلم: "استعيذوا بالله من جب الحزن، قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: واد في جهنم أعد للقراء المرائين ") قال الولي العراقي: رواه الترمذي وقال: غريب، وابن ماجه من حديث أبي هريرة، وضعفه ابن عدي. انتهى .

قلت: وكذلك رواه البخاري في التاريخ، ولفظهم جميعا: "تعوذوا بالله من جب الحزن، قالوا: يا رسول الله وما جب الحزن؟ قال: واد في جهنم، تتعوذ منه جهنم كل يوم أربعمائة مرة، يدخله القراء المراؤون، وإن من أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء".

ورواه البيهقي في الشعب مختصرا، وفيه: "قيل: ومن يسكنه؟ قال: المراؤون بأعمالهم" وقد تقدم في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وأما سياق ابن عدي الذي ضعفه "إن في جهنم واديا تستعيذ منه جهنم سبعين مرة، أعده الله للقراء المرائين بأعمالهم، وإن أبغض الخلق إلى الله عالم السلطان".

(وقال صلى الله عليه وسلم: يقول الله -عز وجل-: "من عمل عملا أشرك فيه غيري فهو له كله، وأنا منه بريء، وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك) قال العراقي: رواه مالك في الموطأ واللفظ له، من حديث أبي هريرة، دون قوله: "وأنا منه بريء" ومسلم مع تقديم وتأخير دونها أيضا، وهو عند ابن ماجه بسند صحيح. اهـ .

قلت: لفظ مسلم وابن ماجه: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".

ورواه ابن جرير في تهذيبه، والبزار بلفظه: "قال الله -عز وجل-: من عمل لي عملا أشرك فيه غيري فهو كله له، وأنا أغنى الشركاء عن الشرك".

وعند أحمد ومسلم في رواية، وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي بلفظه: "قال -عز وجل-: إنه خير الشركاء، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا بريء منه، وهو للذي أشرك".

وأخرج البيهقي من حديث جابر، رفعه: "يقول الله تعالى: كل من عمل عملا أراد به غيري فأنا منه بريء".

وأخرج الطيالسي، وأحمد، وابن مردويه من حديث شداد بن أوس، رفعه "إن الله يقول: أنا خير قسيم، لمن أشرك بي، من أشرك بي شيئا فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غني".

وأخرج البزار وابن مردويه والبيهقي من حديث الضحاك بن قيس، رفعه، يقول الله تعالى: "أنا خير شريك، فمن أشرك معي أحدا فهو لشريكه" الحديث .

(وقال عيسى -عليه السلام-: "إذا كان يوم صومكم فليدهن أحدكم رأسه ولحيته ويمسح شفتيه؛ لئلا يرى الناس أنه صائم، وإذا أعطت يمينه فليخف عن شماله، وإذا صلى فليرخ ستر بابه فإن الله يقسم الثناء) أي: الصيت الحسن (كما يقسم الرزق") أخرجه أحمد في الزهد من طريق هلال بن يسار، وسيأتي مثل ذلك من قول عبد الله بن مسعود.

(وقال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقبل الله عملا فيه مثقال ذرة من رياء") قال العراقي: لم أجده هكذا .

قلت: هو من كلام يوسف بن أسباط، أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق عبد الله بن خبيق، قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول، فذكره، إلا أنه قال: "مثقال حبة" بدل "ذرة" .

(وقال عمر لمعاذ بن جبل) رضي الله عنهما (حين رآه يبكي) عند القبر: (ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من صاحب هذا القبر، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أدنى الرياء شرك") قال العراقي: رواه الطبراني هكذا، ورواه الحاكم بلفظ: "إن اليسير من الرياء شرك" وقد تقدم قريبا. انتهى .

قلت: وتمامه: "وأحب العبيد إلى الله الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا، أولئك أئمة الهدى، ومصابيح العلم".

هكذا [ ص: 264 ] رواه الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم، من حديث ابن عمر ومعاذ معا .

والرواية الثانية التي تقدم ذكرها في فضيلة الخمول: "إن اليسير من الرياء شرك، وإن من عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، وإن الله يحب الأبرار الأخفياء الأتقياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا أو لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة" وهكذا رواه الطبراني والحاكم من حديث معاذ.

(وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية") رواه ابن المبارك في الزهد، من حديث شداد بن أوس، وقد تقدم الكلام عليه في أول أحاديث هذا الكتاب. (وهي أيضا) أي: الشهوة الخفية (ترجع إلى خفايا الرياء ودقائقه) .

وقد روى أحمد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، والبيهقي في الحديث المذكور: "قلت: يا رسول الله، فما الشهوة الخفية؟ فقال: يصبح أحدكم صائما، فتعرض له شهوة من شهواته، فيترك صومه ويواقع شهوته".

(وقال صلى الله عليه وسلم: "إن في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله رجلا تصدق بيمينه، فكاد أن يخفيها عن شماله") هو متفق عليه من حديث أبي هريرة بنحوه في حديث "سبعة يظلهم الله في ظله" وقد تقدم في كتاب الزكاة، وفي كتاب آداب الصحبة .

(ولذلك ورد "يفضل عمل السر على عمل الجهر سبعين ضعفا") قال العراقي: رواه البيهقي في الشعب من حديث أبي الدرداء "إن الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر، يضعف أجره سبعين ضعفا" قال البيهقي: هذا من أفراد بقية عن شيوخه المجهولين .

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص من حديث عائشة بسند ضعيف: "يفضل الذكر الخفي الذي لا تسمعه الحفظة على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين درجة" انتهى .

قلت: ورواه كذلك البيهقي في الشعب من طريقه، وضعفه، ولفظه: "سبعين ضعفا" وأما حديث أبي الدرداء فتمامه عند البيهقي والديلمي: "فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه، فيكتب علانية ويمحى تضعيف أجره كله، ثم لا يزال به حتى يذكره للناس الثانية، ويحب أن يذكر للناس ويحمد عليه، فيمحى من العلانية ويكتب رياء".

(وقال صلى الله عليه وسلم: "إن المرائي ينادى يوم القيامة: يا فاجر، يا غادر، يا مرائي، ضل عملك، وحبط أجرك، اذهب فخذ أجرك ممن كنت تعمل له") قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا من رواية جبلة اليحصبي، عن صحابي لم يسم، وزاد: "يا كافر، يا خاسر" ولم يقل: "يا مرائي" وإسناده ضعيف .

قلت: هو في الحديث الطويل الذي تقدم ذكر أوله، أورده أبو الليث السمرقندي بإسناده إلى جبلة اليحصبي قال: "كنا في غزاة مع عبد الملك بن مروان، فصحبنا رجل" الحديث، وفيه: "واتقوا الرياء؛ فإنه الشرك بالله، وإن المرائي ينادى يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء؛ يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، ضل عملك، وبطل أجرك، فلا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع، قال فقلت له: بالله الذي لا إله إلا هو أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: والذي لا إله إلا هو إني لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يكون قد أخطأت شيئا لم أكن أتعمده، ثم قرأ: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم .

(وقال شداد بن أوس) بن ثابت بن المنذر الخزرجي ابن أخي حسان بن ثابت، كنيته أبو يعلى، صحابي، مات بالشام، روى له الجماعة: (رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يبكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: إني تخوفت على أمتي الشرك، أما إنهم لا يعبدون صنما ولا شمسا ولا قمرا ولا حجرا، ولكنهم يراؤون بأعمالهم") رواه أحمد، وابن ماجه، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، والبيهقي بنحوه، وقد تقدم في أول هذا الكتاب .




الخدمات العلمية