الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3 - إذن

نوعان : ( الأول ) أن تدل على إنشاء السببية والشرط ، بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها ، نحو : أزورك ، فتقول : إذن أكرمك ، وهي في هذا الوجه عاملة تدخل على الجملة الفعلية ، فتنصب المضارع المستقبل إذا صدرت ولم تفصل ، ولم يكن الفعل حالا .

( والثاني ) أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم ، أو منبهة على سبب حصل في الحال [ ص: 165 ] وهي في الحال غير عاملة ، لأن المؤكدات لا يعتمد عليها ، والعامل يعتمد عليه ، نحو : إن تأتني إذن آتك ، والله إذن لأفعلن ، ألا ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط .

وتدخل هذه على الاسمية ، نحو : أزورك فتقول : إذن أنا أكرمك . ويجوز توسطها وتأخرها . ومن هذا قوله تعالى : ( ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ) ( البقرة : 145 ) فهي مؤكدة للجواب وتربطه بما تقدم .

وذكر بعض المتأخرين لها معنى ثالثا ، وهي أن تكون مركبة من " إذ " التي هي ظرف زمن ماض ، ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا ، لكن حذفت الجملة تخفيفا ، وأبدل التنوين منها كما في قولهم حينئذ . وليست هذه الناصبة المضارع ، لأن تلك تختص به ، وكذلك ما عملت فيه ، ولا يعمل إلا ما يختص ، وهذه لا تختص به ، بل تدخل على الماضي ، نحو : ( وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ) ( النساء : 67 ) و ( إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ) ( الإسراء : 100 ) و ( إذا لأذقناك ضعف الحياة ) ( الإسراء : 75 ) . وعلى الاسم ، نحو : إن كنت ظالما فإذن حكمك في ماض ، وقوله تعالى : ( وإنكم إذا لمن المقربين ) ( الشعراء : 42 ) . ورام بعض النحويين جعلها فيه بمعنى " بعد " .

واعلم أن هذا المعنى لم يذكره النحاة ، لكنه قياس قولهم : إنه قد تحذف الجملة المضاف إليها " إذ " ، ويعوض عنها التنوين كيومئذ ، ولم يذكروا حذف الجملة من " إذا " وتعويض التنوين عنها .

[ ص: 166 ] وقال الشيخ أبو حيان في التذكرة : ذكر لي علم الدين البلقيني أن القاضي تقي الدين بن رزين ، كان يذهب إلى أن " إذن " عوض من الجملة المحذوفة ، وليس هذا بقول نحوي انتهى .

وقال القاضي ابن الخويي : وأنا أظن أنه يجوز أن تقول لمن قال : " أنا آتيك إذن أكرمك " بالرفع على معنى " إذا أتيتني أكرمك " فحذف أتيتني وعوض التنوين عن الجملة ، فسقطت الألف لالتقاء الساكنين . وقال : ولا يقدح في ذلك اتفاق النحاة على أن الفعل في مثل هذا المثال منصوب بـ " إذن " لأنهم يريدون بذلك ما إذا كانت حرفا ناصبا للفعل ، ولا ينفي ذلك رفع الفعل بعده ، إذا أريد به " إذ " الزمانية معوضا عن جملته التنوين ، كما أن منهم من يجزم ما بعدها ، نحو : من يزرني أكرمه . يريد بذلك الشرطية ، ولا يمنع مع ذلك الرفع بها إذا أريد الموصولة ، نحو : من يزرني أكرمه .

[ ص: 167 ] قيل : ولولا قول النحاة إنه لا يعمل إلا ما يختص ، وإن " إذن " عاملة في المضارع لقيل : إن " إذن " في الموضعين واحدة ، وإن معناها تقييد ما بعدها بزمن أو حال ، لأن معنى قولهم : أنا أزورك ، فيقول السامع : إذن أكرمك ، هو بمعنى قوله : أنا أكرمك زمن أو حال أو عند زيارتك لي . ثم عند سيبويه معناها الجواب ، فلا يجوز أن تقول : " إذن يقوم زيد " ابتداء من غير أن تجيب به أحدا .

وأما قوله تعالى : ( فعلتها إذا وأنا من الضالين ) ( الشعراء : 20 ) على أنه لجواب مقدر ، وأنه أجاب بذلك قوله : ( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) ( الشعراء : 19 ) أي : بأنعمنا ، فأجاب : لم أفعل ذلك كفرا للنعمة كما زعمت ، بل فعلتها وأنا غير عارف بأن الوكزة تقضي ، بدليل قراءة بعضهم : ( وأنا من الجاهلين ) .

وأما قول الشاعر : . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خير الناس خلقا وخيرهم قداما

فجمع بين اللام وبين الجواب فإذن كذلك فهو لتأكد الجواب ، كما إن " ألا " في قوله تعالى : ( لئلا يعلم ) ( الحديد : 29 ) دخلت لتوكيد النفي قاله أبو الفتح .

التالي السابق


الخدمات العلمية