الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في فقه هذه القصة

فيها : أن عادة المسلمين كانت غسل الإسلام قبل دخولهم فيه ، وقد صح أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به . وأصح الأقوال : وجوبه على من أجنب في حال كفره ومن لم يجنب .

وفيها : أنه لا ينبغي للعاقل أن يقلد الناس في المدح والذم ، ولا سيما تقليد من يمدح بهوى ويذم بهوى ، فكم حال هذا التقليد بين القلوب وبين الهدى ، ولم ينج منه إلا من سبقت له من الله الحسنى .

ومنها : أن المدد إذا لحق بالجيش قبل انقضاء الحرب ، أسهم لهم .

ومنها : وقوع كرامات الأولياء ، وأنها إنما تكون لحاجة في الدين ، أو لمنفعة للإسلام والمسلمين ، فهذه هي الأحوال الرحمانية ، سببها متابعة الرسول ، ونتيجتها إظهار الحق وكسر الباطل ، والأحوال الشيطانية ضدها سببا ونتيجة .

ومنها : التأني والصبر في الدعوة إلى الله ، وأن لا يعجل بالعقوبة والدعاء على العصاة ، وأما تعبيره حلق رأسه بوضعه ، فهذا لأن حلق الرأس وضع شعره على الأرض ، وهو لا يدل بمجرده على وضع رأسه ، فإنه دال على خلاص من هم أو مرض ، أو شدة لمن يليق به ذلك ، وعلى فقر ونكد ، وزوال رياسة وجاه لمن لا يليق به ذلك ، ولكن في منام الطفيل قرائن اقتضت أنه وضع رأسه ، منها أنه [ ص: 549 ] كان في الجهاد ، ومقاتلة العدو ذي الشوكة والبأس .

ومنها : أنه دخل في بطن المرأة التي رآها ، وهي الأرض التي هي بمنزلة أمه ، ورأى أنه قد دخل في الموضع الذي خرج منه ، وهذا هو إعادته إلى الأرض ، كما قال تعالى : ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم ) [ طه : 155 ] ، فأول المرأة بالأرض إذ كلاهما محل الوطء ، وأول دخوله في فرجها بعوده إليها كما خلق منها ، وأول الطائر الذي خرج من فيه بروحه ، فإنها كالطائر المحبوس في البدن ، فإذا خرجت منه كانت كالطائر الذي فارق حبسه ، فذهب حيث شاء ، ولهذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم ( أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ) ، وهذا هو الطائر الذي رئي داخلا في قبر ابن عباس لما دفن ، وسمع قارئ يقرأ : ( ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) [ الفجر : 27 ] . وعلى حسب بياض هذا الطائر وسواده وحسنه وقبحه تكون الروح ، ولهذا كانت أرواح آل فرعون في صورة طيور سود ترد النار بكرة وعشية ، وأول طلب ابنه له باجتهاده في أن يلحق به في الشهادة وحبسه عنه هو مدة حياته بين وقعة اليمامة واليرموك . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية