الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7853 ) مسألة ; قال : ( ومن أراد أن يضحي ، فدخل العشر ، فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئا ) ظاهر هذا تحريم قص الشعر . وهو قول بعض أصحابنا . وحكاه ابن المنذر عن أحمد وإسحاق وسعيد بن المسيب . وقال القاضي ، وجماعة من أصحابنا : هو مكروه ، غير محرم .

                                                                                                                                            وبه قال مالك والشافعي ; لقول عائشة : كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده ، ثم يبعث بها ، ولا يحرم عليه شيء أحله الله له ، حتى ينحر الهدي . متفق عليه . وقال أبو حنيفة : لا يكره ذلك ; لأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس ، فلا يكره له حلق الشعر ، وتقليم الأظفار ، كما لو لم يرد أن يضحي . ولنا ما روت أم سلمة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا دخل العشر ، وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا ، حتى يضحي } . رواه مسلم ومقتضى النهي التحريم ، وهذا يرد القياس ويبطله ، وحديثهم عام ، وهذا خاص يجب تقديمه ، بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص ; ولأنه يجب حمل حديثهم على غير محل النزاع لوجوه ; منها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروها ، قال الله تعالى إخبارا عن شعيب { : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } .

                                                                                                                                            ولأن أقل أحوال النهي أن يكون مكروها ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعله ، فيتعين حمل ما فعله في حديث عائشة على غيره ; ولأن عائشة تعلم ظاهرا ما يباشرها به من المباشرة ، أو ما يفعله دائما ، كاللباس والطيب ، فأما ما يفعله نادرا ، كقص الشعر ، وقلم الأظفار ، مما لا يفعله في الأيام إلا مرة ، فالظاهر أنها لم ترده بخبرها ، وإن احتمل إرادتها إياه ، فهو احتمال بعيد ، وما كان هكذا ، فاحتمال تخصيصه قريب ، فيكفي فيه أدنى دليل ، وخبرنا دليل قوي ، فكان أولى بالتخصيص ; ولأن عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة عن قوله ، والقول يقدم على الفعل ; لاحتمال أن يكون فعله خاصا له .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار ، فإن فعل استغفر الله تعالى . ولا فدية فيه إجماعا ، سواء فعله عمدا أو نسيانا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية