الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في عتق ولد الزنا

                                                                      3963 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد الزنا شر الثلاثة و قال أبو هريرة لأن أمتع بسوط في سبيل الله عز وجل أحب إلي من أن أعتق ولد زنية

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ولد الزنا شر الثلاثة ) أي : الزانيان وولدهما .

                                                                      قال الخطابي : اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعضهم إلى أن ذلك إنما جاء في رجل بعينه كان معروفا [ موسوما ] بالشر .

                                                                      وقال بعضهم : إنما صار ولد الزنا شرا من والديه لأن الحد قد يقام عليهما فتكون العقوبة مختصة بهما وهذا من علم الله لا يدرى ما يصنع به وما يفعل في ذنوبه . وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم قال : كان أبو ولد الزنا يكثر أن يمر [ ص: 403 ] بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيقولون : هو رجل سوء يا رسول الله فيقول - صلى الله عليه وسلم - هو شر الثلاثة يعني : الأب قال : فحول الناس : " الولد شر الثلاثة " وكان ابن عمر إذا قيل : ولد الزنا شر الثلاثة قال : بل هو خير الثلاثة .

                                                                      قال الخطابي : هذا الذي تأوله عبد الكريم أمر مظنون لا يدرى صحته والذي جاء في الحديث إنما هو ولد الزنا شر الثلاثة فهو على ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                      وقد قال بعض أهل العلم إنه شر الثلاثة أصلا وعنصرا ونسبا ومولدا وذلك أنه خلق من ماء الزاني والزانية وهو ماء خبيث .

                                                                      وقد روي " العرق دساس " فلا يؤمن أن يؤثر ذلك الخبث فيه ويدب في عروقه فيحمله على الشر ويدعوه إلى الخبث ، وقد قال الله تعالى في قصة مريم : ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فقضوا بفساد الأصل على فساد الفرع .

                                                                      وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص في قوله تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس قال : ولد الزنا مما ذرئ لجهنم . وكذا عن سعيد بن جبير .

                                                                      وعن أبي حنيفة أن من ابتاع غلاما فوجده ولد زنا فإن له أن يرده بالعيب فأما قول ابن عمر إنه خير الثلاثة فإنما وجهه أن لا إثم له في الذنب باشره والداه فهو خير منهما لبراءته من ذنوبهما .

                                                                      وفي المستدرك من طريق عروة قال : بلغ عائشة أن أبا هريرة يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ولد الزنا شر الثلاثة " قالت كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من يعذرني من فلان؟ فقيل : يا رسول الله إنه مع ما به ولد زنا فقال : هو شر الثلاثة والله تعالى يقول : ولا تزر وازرة وزر أخرى .

                                                                      وفي سنن البيهقي من طريق زيد بن معاوية بن صالح قال : حدثني السفر بن بشير الأسدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما قال : " ولد الزنا شر الثلاثة " أن أبويه أسلما ولم يسلم هو فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو شر الثلاثة . قال البيهقي : وهذا مرسل .

                                                                      وفي مسند أحمد من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه وفي معجم الطبراني من حديث [ ص: 404 ] ابن عباس مرفوعا مثله وفي سنن البيهقي عن الحسن قال : إنما سمى ولد الزنا شر الثلاثة أن امرأة قالت له : لست لأبيك الذي تدعى له فقتلها فسمي شر الثلاثة قاله السيوطي في مرقاة الصعود .

                                                                      ( لأن أمتع ) صيغة المتكلم المعروف من التفعيل يقال متعته بالتثقيل أي : أعطيته ومنه في الحديث أن عبد الرحمن طلق امرأته فمتع بوليدة أي : أعطاها أمة والمعنى أي : لأن أعطي بسوط ( أن أعتق ولد زنية ) بكسر الزاي وسكون النون وفتح الزاي أيضا لغة . قال في المصباح : زنية بالكسر والفتح لغة وهو خلاف قولهم هو ولد رشدة أي : بكسر الراء . قال ابن السكيت : زنية وغية بالكسر والفتح والزنا بالقصر انتهى .

                                                                      قال في النهاية : ويقال للولد إذا كان من زنا هو لزنية وعن ابن ماجه مرفوعا بسند فيه ضعف عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ولد الزنا فقال : نعلان أجاهد فيهما خير من أعتق ولد الزنا انتهى .

                                                                      وكأن المراد أن أجر إعتاقه قليل ولعل ذلك لأن الغالب عليه الشر عادة فالإحسان إليه قليل الأجر كالإحسان إلى غير أهله وهذا هو مراد أبي هريرة رضي الله عنه .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي .




                                                                      الخدمات العلمية