الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
7 - " إن " المكسورة الخفيفة

ترد لمعان
:

الأول : الشرطية وهو الكثير ، نحو : ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) ( الأنفال : 29 ) . ( إن ينتهوا يغفر لهم ) ( الأنفال : 38 ) . ثم الأصل في عدم جزم المتكلم بوقوع الشرط كقوله : ( إن كنت قلته فقد علمته ) ( المائدة : 116 ) وعيسى عليه السلام جازم بعدم وقوع قوله .

وقد تدخل على المتيقن وجوده إذا أبهم زمانه كقوله تعالى : ( أفإن مت فهم الخالدون ) ( الأنبياء : 34 ) . وقد تدخل على المستحيل ، نحو : ( إن كان للرحمن ولد ) ( الزخرف : 81 )

ومن أحكامها أنها للاستقبال ، وأنها تخلص الفعل له ، وإن كان ماضيا كقولك : إن أكرمتني أكرمتك ، ومعناه : إن تكرمني . وأما قولهم : إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك [ ص: 192 ] أمس ، وقوله : ( إن كان قميصه قد من قبل فصدقت ) ( يوسف : 26 ) فقيل : معنى إن أكرمتني اليوم ، يكون سببا للإخبار بذلك ، وإن ثبت كان قميصه قد من قبل ، يكون سببا للإخبار بذلك . قاله ابن الحاجب . وهي عكس " لو " فإنها للماضي ، وإن دخلت على المضارع .

( مسألة ) إن دخلت " إن " على " لم " يكن الجزم بلم ، لا بها كقوله تعالى : ( وإن لم ينتهوا ) ( المائدة : 73 ) ( فإن لم تفعلوا ) ( البقرة : 24 ) وإن دخلت على " لا " كان الجزم بها لا بـ " لا " ، كقوله تعالى : ( وإلا تغفر لي ) ( هود : 47 )

والفرق بينهما أن " لم " عامل يلزم معموله ، ولا يفرق بينهما بشيء ، وإن يجوز أن يفرق بينهما وبين معمولها معمول معمولها ، نحو : إن زيدا يضرب أضربه . وتدخل أيضا على الماضي فلا تعمل في لفظه ، ولا تفارق العمل ، وأما " لا " فليست عاملة في الفعل فأضيف العمل إلى " إن " .

( الثاني ) : النافية بمنزلة " لا " ، وتدخل على الجملة الاسمية كقوله في الأنعام : ( إن هي إلا حياتنا الدنيا ) ( الآية : 29 ) بدليل " ما " في الجاثية : ( ما هي إلا حياتنا الدنيا ) ( الآية : 24 ) . وقوله : ( إن أنت إلا نذير ) ( فاطر : 23 ) . ( إن الكافرون إلا في غرور ) ( الملك : 20 ) . ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) ( الطارق : 4 ) . ( إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ) . ( المجادلة : 2 ) ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) ( مريم : 93 ) . ( إن نحن إلا بشر مثلكم ) [ ص: 193 ] ( إبراهيم : 11 ) . إن أنتم إلا بشر مثلنا ( إبراهيم : 10 ) . وعلى الجملة الفعلية نحو : إن أردنا إلا الحسنى ( التوبة : 107 ) إن يقولون إلا كذبا ( الكهف : 5 ) . إن يدعون من دونه إلا إناثا ( النساء : 117 ) . وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ( الإسراء : 52 ) . إن كانت إلا صيحة واحدة ( يس : 29 ) . بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ( البقرة : 93 ) .

وزعم بعضهم أن شرط النافية مجيء إلا في خبرها كهذه الآيات ، أو لما التي بمعناها كقراءة بعضهم : إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق : 4 ) بتشديد الميم أي ما كان نفس إلا عليها حافظ . وإن كل لما جميع لدينا محضرون ( يس : 32 ) . وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ( الزخرف : 35 ) . ورد بقوله وإن أدري لعله فتنة لكم ( الأنبياء : 111 ) . وإن أدري أقريب أم بعيد ( الأنبياء : 109 ) . إن عندكم من سلطان ( يونس : 68 ) . بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ( البقرة : 93 ) . وأما قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ( النساء : 159 ) فالتقدير : وإن أحد من أهل الكتاب . وأما قوله : ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ( فاطر : 41 ) فالأولى شرطية والثانية نافية ، جواب للقسم الذي أذنت به اللام الداخلة على الأولى ، وجواب الشرط محذوف وجوبا .

واختلف في قوله : ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ( الأحقاف : 26 ) فقال الزمخشري وابن الشجري : إن نافية ، أي فيما ما مكناكم فيه إلا أن " إن " أحسن في اللفظ لما في مجامعة مثلها من التكرار المستبشع ، ومثله يتجنب . قالا : ويدل على النفي [ ص: 194 ] قوله تعالى : ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( الأنعام : 6 ) . وحكى الزمخشري أنها زائدة قال : والأول أفخم .

وقال ابن عطية : ما بمعنى الذي ، وإن نافية وقعت مكان ما ، فيختلف اللفظ ولا تتصل ما بـ ( ما ) ، والمعنى لقد أعطيناهم من القوة والغنى ما لم نعطكم ، ونالهم بسبب كفرهم هذا العقاب ، فأنتم أحرى بذلك إذا كفرتم . وقيل : ( إن ) شرطية ، والجواب محذوف ، أي الذي إن مكناكم فيه طغيتم . وقال : وهذا مطرح في التأويل . وعن قطرب أنها بمعنى قد . حكاه ابن الشجري . ويحتمل النكرة الموصوفة .

واعلم أن بعضهم أنكر مجيء النافية ، وقال في الآيات السابقة إن ( ما ) محذوفة ، والتقدير : ما إن الكافرون إلا في غرور ، ما إن تدعون ، ما إن أدري ، ونظائرها كما قال الشاعر :


وما إن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا



فحذفت ( ما ) اختصارا كما حذف ( لا ) في تالله تفتأ تذكر يوسف ( يوسف : 85 ) .

[ ص: 195 ] ( الثالث ) : مخففة من الثقيلة فتعمل في اسمها وخبرها ، ويلزم خبرها اللام كقوله تعالى : وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم ( هود : 111 ) . ويكثر إهمالها نحو : وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ( الزخرف : 35 ) ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) ( يس : 32 ) . إن كل نفس لما عليها حافظ ( الطارق : 4 ) في قراءة من خفف لما ، أي أنه كل نفس لعليها حافظ .

( الرابع ) للتعليل بمعنى ( إذ ) عند الكوفيين كقوله تعالى : وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ( آل عمران : 139 ) قال بعضهم : لم يخبرهم بعلوهم إلا بعد أن كانوا مؤمنين . وقوله : اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ( البقرة : 278 ) .

قال بعضهم : لو كانت للخبر لكان الخطاب لغير المؤمنين . وكذا وإن كنتم في ريب ( البقرة : 23 ) ونحوه مما الفعل فيه محقق الوقوع ، والبصريون يمنعون ذلك ، وهو التحقيق كالمعنى مع إذا .

وأجابوا عن دخولها في هذه المواطن لنكتة ، وهي أنه من باب خطاب التهييج نحو : إن كنت ولدي فأطعمني . وأما قوله : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ( الفتح : 27 ) فالاستثناء مع تحقق الدخول تأدبا بأدب الله في المشيئة ، والاستثناء من الداخلين ، لا من الرؤيا ; لأنه كان بين الرؤيا وتصديقها سنة ، ومات بينهما خلق كثير فكأنه قال : كلكم إن شاء الله .

( الخامس ) : بمعنى ( لقد ) في قوله : إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( يونس : 29 ) [ ص: 196 ] أي لقد كنا . إن كان وعد ربنا لمفعولا ( الإسراء : 108 ) . و تالله إن كدت لتردين ( الصافات : 56 ) . تالله إن كنا لفي ضلال مبين ( الشعراء : 97 )

التالي السابق


الخدمات العلمية