الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من النهايات للواصلين إلى حضرات القدس؛ ومواطن الأنس بالله؛ المتمكنين في درجة الغناء عن غير الفاعل المختار ألا يراد إلا ما يريد - سبحانه -؛ فإن كان طاعة أراده العبد؛ ورضيه؛ وإن كان معصية أراده من حيث إنه مراد الله؛ ولم يرضه لكونه معصية؛ فيرضى بالقضاء؛ دون المقضي؛ وكأنه من الممكن القريب أن يكون هابيل قد كشف له عن أنه سبق في علم الله أن أخاه يقتله؛ قال - مرهبا له؛ معللا بتعليل آخر؛ صاد له أيضا عن الإقدام على القتل -: إني أريد ؛ أي: بعدم الممانعة لك؛ أن تبوء ؛ أي: ترجع من قتلي؛ إن قتلتني؛ بإثمي ؛ أي: الإثم الذي ينالك من أجل قتلك لي؛ وبعقوبته - الذي من جملته أنه يطرح عليك من سيئاتي بمقدار ما عليك من حقي؛ إذا لم تجد ما ترضيني به من الحسنات -؛ وإثمك ؛ أي: الذي لا سبب لي فيه؛ وهو الذي كان سببا لرد قربانك؛ واجترائك علي؛ وعدوانك؛ وأفوز أنا بأجري وأجرك؛ أي: [ ص: 121 ] أجري الذي لا سبب لك فيه؛ والأجر الذي أثمره استسلامي لك؛ وكف يدي عنك؛ فتكون ؛ أي: أنت؛ بسبب ذلك؛ من أصحاب النار ؛ أي: الخالدين فيها؛ جزاء لك لظلمك؛ بوضعك القتل في غير موضعه؛ ثم بين أن هذا يعم كل من فعل هذا الفعل؛ فقال: وذلك جزاء الظالمين ؛ أي: الراسخين في وصف الظلم كلهم؛ وأكون أنا من أصحاب الجنة؛ جزاء لي بإحساني في إيثار حياتك على حياتي؛ وذلك جزاء المحسنين؛ وهذا - مثل تمني الشهادة سوءا - ليس بمستلزم لإرادة المعصية؛ من حيث كونها معصية؛ بإرادة ظهور الكفار؛ لما علم من أن النصر بيد الله؛ فهو قادر على نصر الباقي؛ بعد استشهاد الشهيد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية