[ ص: 367 ] أبواب ما يبطل الصلاة وما يكره ويباح فيها
باب النهي عن الكلام في الصلاة
822 - ( عن قال : { زيد بن أرقم وقوموا لله قانتين } . فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام } رواه الجماعة إلا كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت : { ، ابن ماجه وللترمذي فيه : كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة )
أبواب ما يبطل الصلاة وما يكره ويباح فيها
- باب النهي عن الكلام في الصلاة
- باب أن من دعا في صلاته بما لا يجوز جاهلا لم تبطل
- باب ما جاء في النحنحة والنفخ في الصلاة
- باب البكاء في الصلاة من خشية الله تعالى
- باب حمد الله في الصلاة لعاطس أو حدوث نعمة
- باب من نابه شيء في صلاته فإنه يسبح والمرأة تصفق
- باب الفتح في القراءة على الإمام وغيره
- باب المصلي يدعو ويذكر الله إذا مر بآية رحمة أو عذاب أو ذكر
- باب الإشارة في الصلاة لرد السلام أو حاجة تعرض
- باب كراهة الالتفات في الصلاة إلا من حاجة
- باب كراهة تشبيك الأصابع وفرقعتها والتخصر والاعتماد على اليد إلا لحاجة
- باب ما جاء في مسح الحصى وتسويته
- باب كراهة أن يصلي الرجل معقوص الشعر
- باب كراهة تنخم المصلي قبله أو عن يمينه
- باب في أن قتل الحية والعقرب والمشي اليسير للحاجة لا يكره
- باب في أن عمل القلب لا يبطل وإن طال
- باب القنوت في المكتوبة عند النوازل وتركه في غيرها
التالي
السابق
الحديث قال الترمذي : حسن صحيح وفي الباب عن عند الشيخين ، وعن جابر بن عبد الله عند عمار ، وعن الطبراني أبي أمامة عند أيضا وعن الطبراني عند أبي سعيد وعن البزار معاوية بن الحكم وسيأتيان والحديث يدل على تحريم الكلام في الصلاة لا خلاف بين أهل العلم أن وابن مسعود فسدت صلاته من تكلم في صلاته عامدا عالما
قال : أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدا وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة واختلفوا في كلام الساهي والجاهل . وقد حكى ابن المنذر الترمذي عن أكثر أهل العلم أنهم سووا بين كلام الناسي والعامد والجاهل ، وإليه ذهب الثوري حكى ذلك وابن المبارك الترمذي عنهما وبه قال النخعي وحماد بن أبي سليمان ، وهو إحدى الروايتين عن وأبو حنيفة وإليه ذهبت قتادة الهادوية
وذهب قوم إلى الفرق بين كلام الناسي والجاهل وبين كلام العامد وقد حكى ذلك ابن المنذر
عن ابن مسعود وابن عباس ومن التابعين عن وعبد الله بن الزبير عروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري في إحدى الروايتين عنه وحكاه وقتادة الحازمي عن عمرو بن دينار . وممن قال به مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور ، وحكاه وابن المنذر الحازمي عن نفر من أهل الكوفة وعن أكثر أهل الحجاز وأكثر أهل الشام وعن وهو إحدى الروايتين عنه . وحكاه سفيان الثوري النووي في شرح مسلم عن الجمهور استدل الأولون بحديث الباب وسائر الأحاديث المصرحة بالنهي عن التكلم في الصلاة وظاهرها عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل .
واحتج الآخرون لعدم فساد صلاة الناسي أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في حال السهو وبنى عليه كما في حديث ذي اليدين ، وبما روى في الأوسط من حديث الطبراني { أبي هريرة } . وبحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في الصلاة ناسيا فبنى على ما صلى } الذي أخرجه رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والبيهقي بنحو هذا اللفظ واحتجوا لعدم فساد صلاة الجاهل [ ص: 368 ] بحديث والحاكم معاوية بن الحكم الذي سيأتي ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة . وأجيب عن ذلك بأن عدم حكاية الأمر بالإعادة لا يستلزم العدم ، وغايته أنه لم ينقل إلينا فيرجع إلى غيره من الأدلة ، كذا قيل . ويجاب أيضا عن الاستدلال بحديث { } أن المراد رفع الإثم لا الحكم فإن الله أوجب في قتل الخطأ الكفارة على أن الحديث مما لا ينتهض للاحتجاج به . وقد استوفى رفع عن أمتي الخطأ والنسيان الحافظ الكلام عليه في باب شروط الصلاة من التلخيص . ويجاب عن الاحتجاج بحديث ذي اليدين بأن كلامه صلى الله عليه وسلم وقع وهو غير متصل ، وبناؤه على ما قد فعل قبل الكلام لا يستلزم أن يكون ما وقع قبله منها . قوله : ( في الحديث حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } ) ، فيه إطلاق القنوت على السكوت .
قال زين الدين في شرح الترمذي : وذكر أن له عشرة معان ، قال : وقد نظمتها في بيتين بقولي : ابن العربي
وقد أجاب عن ذلك في صحيحه فقال : توهم من لم يطلب العلم من مظانه أن نسخ الكلام في الصلاة كان ابن حبان بالمدينة قال : وليس مما يذهب إليه الوهم فيه في شيء منه وذلك لأن كان من زيد بن أرقم الأنصار من الذين أسلموا بالمدينة وصلوا بها قبل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وكانوا يصلون بالمدينة كما يصلي المسلمون بمكة في إباحة الكلام في الصلاة لهم فلما نسخ ذلك بمكة نسخ كذلك بالمدينة فحكى زيد ما كانوا عليه لا أن زيدا حكى ما لم يشهده في الصلاة ، وهذا الجواب يرده قول زيد المتقدم : " كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وأيضا قد ذكر [ ص: 369 ] نفسه أن نسخ الكلام في الصلاة كان عند رجوع ابن حبان من أرض ابن مسعود الحبشة قبل الهجرة بثلاث سنين وإذا كان كذلك فلم يكن الأنصار حينئذ قد صلوا ولا أسلموا ، فإن إسلام من أسلم منهم كان حين أتى النفر الستة من الخزرج عند العقبة فدعاهم إلى الله فآمنوا ثم جاء في الموسم الثاني منهم اثنا عشر رجلا فبايعوه وهي بيعة العقبة الأولى ثم جاءوا في الموسم الثالث فبايعوه بيعة العقبة الثانية ثم هاجر إليهم في شهر ربيع الأول فكان إسلامهم قبل الهجرة بسنتين وثلاثة أشهر .
وأجاب العراقي عن ذلك الإشكال بأن الرواية الصحيحة المتفق عليها في حديث هي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بقوله : { ابن مسعود } فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم رأى ذلك منه اجتهادا قبل نزول الآية . قال : وأما الرواية التي فيها { إن في الصلاة لشغلا } فلا تقاوم الرواية الأولى للاختلاف في راويها وعلى تقدير ثبوتها فلعله أوحي إليه ذلك بوحي غير القرآن . إن الله قد أحدث من أمره أن لا يتكلم في الصلاة
وفي أن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض لأن رواية " أن لا تتكلموا " زيادة ثابتة من وجه معتبر كما سيأتي فقبولها متعين .
وأما الاعتذار بأنها بوحي غير قرآن . فذلك غير نافع لأن النزاع في كون التحريم للكلام في مكة أو في المدينة لا في خصوص أنه بالقرآن ومن جملة ما أجيب به عن ذلك الإشكال أن ممن لم يبلغه تحريم الكلام في الصلاة إلا حين نزول الآية ويرد قوله في حديث الباب : " يكلم الرجل منا صاحبه " وأن ذلك كان خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أن تكليم بعضهم بعضا في الصلاة لا يخفى عليه لأنه يراهم من خلفه كما صح عنه . ومن الأجوبة أن يكون الكلام نسخ زيد بن أرقم بمكة ثم أبيح ثم نسخت الإباحة بالمدينة .
ومنها حمل حديث على تحريم الكلام لغير مصلحة الصلاة وحديث ابن مسعود زيد على تحريم سائر الكلام . ومنها ترجيح حديث والمصير إليه ; لأنه حكى فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ابن مسعود ابن سريج والقاضي وأبو الطيب . ومنها أن أراد " بقوله كنا نتكلم في الصلاة - الحكاية عمن كان يفعل ذلك في زيد بن أرقم مكة كما يقول القائل : فعلنا كذا وهو يريد بعض قومه ، ذكر معنى ذلك وهو بعيد . ابن حبان
823 - ( وعن قال : { ابن مسعود سلمنا عليه ، فلم يرد علينا ، فقلنا : يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ؟ فقال : إن في الصلاة لشغلا النجاشي } . متفق عليه وفي رواية : { كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند بمكة قبل أن نأتي أرض الحبشة ، فلما قدمنا من أرض الحبشة أتيناه فسلمنا عليه فلم يرد فأخذني ما قرب وما بعد حتى قضوا [ ص: 370 ] الصلاة ، فسألته فقال : إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة } . رواه كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم إذ كنا أحمد ) . الرواية الثانية أخرجها أيضا والنسائي أبو داود في صحيحه . وابن حبان
قوله : ( فلم يرد ) هو يرد على من قال بجواز رد السلام في الصلاة لفظا وهم أبو هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب . قوله : ( لشغلا ) ههنا محذوفة والتقدير : لشغلا كافيا عن غيره من الكلام أو مانعا من الكلام . قوله : ( ما قرب وما بعد ) لفظ وقتادة أبي داود " ما قدم وما حدث " والمراد من هذا اللفظ ولفظ الكتاب : اتصال الأحزان البعيدة أو المتقدمة بالقريبة أو الحادثة لسبب تركه صلى الله عليه وسلم لرد السلام عليه . قوله : ( أن لا نتكلم في الصلاة ) لفظ وابن حبان أبي داود وغيره : " أن لا تكلموا في الصلاة " وزاد : " فرد عليه السلام " يعني بعد فراغه . وقد استدل به على أنه يستحب لمن سلم عليه في الصلاة أن لا يرد السلام إلا بعد فراغه من الصلاة وروي هذا عن أبي ذر وعطاء والنخعي والثوري
قال ابن رسلان : ومذهب والجمهور أن المستحب أن يرد السلام في الصلاة بالإشارة ، واستدلوا بما أخرجه الشافعي أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن أنه قال : { صهيب } قال الراوي عنه : ولا أعلمه إلا قال : " إشارة بأصبعه " وسيأتي الكلام على هذا في باب الإشارة في الصلاة لرد السلام . مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة
824 - ( وعن { معاوية بن الحكم السلمي قال : بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت وا ثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن } ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال : لا يحل مكان لا يصلح ، وفي رواية : إنما هي التسبيح والتكبير والتحميد وقراءة القرآن ) . الحديث أخرجه أيضا لأحمد ابن حبان والبيهقي
قوله : ( فرماني القوم بأبصارهم ) أي نظروا إلي بأبصارهم نظر منكر ولذلك استعير له الرمي .
قوله : ( وا ثكل أماه ) وا : حرف للندبة وثكل بضم المثلثة وإسكان الكاف وبفتحهما جميعا لغتان كالبخل والبخل حكاهما وغيره : وهو فقدان المرأة ولدها وحزنها عليه لفقده ، وقوله : ( أماه ) بتشديد الميم وأصله [ ص: 371 ] أم زيدت عليه ألف الندبة لمد الصوت وأردفت بهاء السكت وفي رواية الجوهري أبي داود " أمياه " بزيادة الياء وأصله أمي زيدت عليه ألف الندبة لذلك
قوله : ( على أفخاذهم ) هذا محمول على أنه وقع قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته للرجال والتصفيق للنساء ، ولا يقال إن ضرب اليد على الفخذ تصفيق لأن التصفيق إنما هو ضرب الكف على الكف أو الأصابع على الكف . قال القرطبي : ويبعد أن يسمى من ضرب على فخذه وعليها ثوبه مصفقا ولهذا قال : فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ولو كان يسمى هذا تصفيقا لكان الأقرب في اللفظ أن يقول يصفقون لا غير
قوله : ( لكني سكت ) قال : يريد لم أتكلم لكني سكت وورود لكن هنا مشكل لأنه لا بد أن يتقدمها كلام متناقض لما بعدها نحو ما هذا ساكنا لكنه متحرك ، أو ضد له نحو ما هو أبيض لكنه أسود ويحتمل أن يكون التقدير هنا فلما رأيتهم يسكتوني لم أكلمهم لكني سكت فيكون الاستدراك لرفع ما توهم ثبوته مثل ما زيد شجاعا لكنه كريم ، لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان فالاستدراك من توهم نفي كرمه ، ويحتمل أن يكون لكن هنا للتوكيد نحو : لو جاءني أكرمته لكنه لم يجئ فأكدت لكن ما أفادته لو من الامتناع وكذا في الحديث أكدت لكن ما أفاده ضربهم من ترك الكلام . المنذري
قوله : ( فبأبي وأمي ) متعلق بفعل محذوف تقديره أفديه بأبي وأمي . قوله : ( ما كهرني ) أي ما انتهرني والكهر : الانتهار قاله أبو عبيد . وقرأ ( فأما اليتيم فلا تكهر ) وقيل الكهر : العبوس في وجه من تلقاه . عبد الله بن مسعود
قوله : ( إن هذه الصلاة ) يعني مطلق الصلاة فيشمل الفرائض وغيرها . قوله : ( لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ) في الرواية الأخرى ( لا يحل ) استدل بذلك على تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أم لا ، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل سبح الرجل وصفقت المرأة وهذا مذهب الجمهور من أهل البيت وغيرهم من السلف والخلف . وقالت طائفة منهم الأوزاعي : إنه يجوز الكلام لمصلحة الصلاة واستدلوا بحديث ذي اليدين
وكلام الناس المذكور في الحديث اسم مصدر يراد به تارة : ما يتكلم به على أنه مصدر بمعنى المفعول وتارة يراد به : التكليم للغير وهو الخطاب للناس ، والظاهر أن المراد به ههنا الثاني بشهادة السبب . قوله : ( إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) هذا الحصر يدل بمفهومه على منع التكلم في الصلاة بغير الثلاثة وقد تمسكت به الطائفة القائلة بمنع الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن من الحنفية والهادوية
ويجاب عنهم بأن الأحاديث المثبتة لأدعية وأذكار مخصوصة في الصلاة مخصصة لعموم هذا المفهوم ، وبناء العام على الخاص متعين لا سيما بعدما تقرر أن تحريم الكلام كان بمكة كما قدمنا ، وأكثر الأدعية والأذكار في الصلاة كانت بالمدينة
وقد خصصوا هذا المفهوم بالتشهد فما [ ص: 372 ] وجه امتناعهم من التخصيص بغيره ، وهذا واضح لا يلتبس على من له أدنى نظر في العلم ولكن المتعصب أعمى وكم من حديث صحيح وسنة صريحة قد نصبوا هذا المفهوم العام في مقابلتها وجعلوه معارضا لها وردوها به وغفلوا عن بطلان معارضة العام بالخاص وعن رجحان المنطوق على المفهوم إن سلم التعارض قال رحمه اللهبعد أن ساق الحديث : وفيه دليل على أن المصنف ، وكذلك التسبيح والتحميد وأن التكبير من الصلاة وأن القراءة فرض وأن من فعله جاهلا لم تبطل صلاته حيث لم يأمر بالإعادة انتهى . تشميت العاطس من الكلام المبطل
قال : أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدا وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة واختلفوا في كلام الساهي والجاهل . وقد حكى ابن المنذر الترمذي عن أكثر أهل العلم أنهم سووا بين كلام الناسي والعامد والجاهل ، وإليه ذهب الثوري حكى ذلك وابن المبارك الترمذي عنهما وبه قال النخعي وحماد بن أبي سليمان ، وهو إحدى الروايتين عن وأبو حنيفة وإليه ذهبت قتادة الهادوية
وذهب قوم إلى الفرق بين كلام الناسي والجاهل وبين كلام العامد وقد حكى ذلك ابن المنذر
عن ابن مسعود وابن عباس ومن التابعين عن وعبد الله بن الزبير عروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري في إحدى الروايتين عنه وحكاه وقتادة الحازمي عن عمرو بن دينار . وممن قال به مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور ، وحكاه وابن المنذر الحازمي عن نفر من أهل الكوفة وعن أكثر أهل الحجاز وأكثر أهل الشام وعن وهو إحدى الروايتين عنه . وحكاه سفيان الثوري النووي في شرح مسلم عن الجمهور استدل الأولون بحديث الباب وسائر الأحاديث المصرحة بالنهي عن التكلم في الصلاة وظاهرها عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل .
واحتج الآخرون لعدم فساد صلاة الناسي أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في حال السهو وبنى عليه كما في حديث ذي اليدين ، وبما روى في الأوسط من حديث الطبراني { أبي هريرة } . وبحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في الصلاة ناسيا فبنى على ما صلى } الذي أخرجه رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والبيهقي بنحو هذا اللفظ واحتجوا لعدم فساد صلاة الجاهل [ ص: 368 ] بحديث والحاكم معاوية بن الحكم الذي سيأتي ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة . وأجيب عن ذلك بأن عدم حكاية الأمر بالإعادة لا يستلزم العدم ، وغايته أنه لم ينقل إلينا فيرجع إلى غيره من الأدلة ، كذا قيل . ويجاب أيضا عن الاستدلال بحديث { } أن المراد رفع الإثم لا الحكم فإن الله أوجب في قتل الخطأ الكفارة على أن الحديث مما لا ينتهض للاحتجاج به . وقد استوفى رفع عن أمتي الخطأ والنسيان الحافظ الكلام عليه في باب شروط الصلاة من التلخيص . ويجاب عن الاحتجاج بحديث ذي اليدين بأن كلامه صلى الله عليه وسلم وقع وهو غير متصل ، وبناؤه على ما قد فعل قبل الكلام لا يستلزم أن يكون ما وقع قبله منها . قوله : ( في الحديث حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } ) ، فيه إطلاق القنوت على السكوت .
قال زين الدين في شرح الترمذي : وذكر أن له عشرة معان ، قال : وقد نظمتها في بيتين بقولي : ابن العربي
ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد مزيدا على عشر معان مرضيه دعاء خشوع والعبادة طاعة
إقامتها إقرارنا بالعبودية سكوت صلاة والقيام وطوله
كذاك دوام الطاعة الربح الفيه
وقد أجاب عن ذلك في صحيحه فقال : توهم من لم يطلب العلم من مظانه أن نسخ الكلام في الصلاة كان ابن حبان بالمدينة قال : وليس مما يذهب إليه الوهم فيه في شيء منه وذلك لأن كان من زيد بن أرقم الأنصار من الذين أسلموا بالمدينة وصلوا بها قبل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وكانوا يصلون بالمدينة كما يصلي المسلمون بمكة في إباحة الكلام في الصلاة لهم فلما نسخ ذلك بمكة نسخ كذلك بالمدينة فحكى زيد ما كانوا عليه لا أن زيدا حكى ما لم يشهده في الصلاة ، وهذا الجواب يرده قول زيد المتقدم : " كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وأيضا قد ذكر [ ص: 369 ] نفسه أن نسخ الكلام في الصلاة كان عند رجوع ابن حبان من أرض ابن مسعود الحبشة قبل الهجرة بثلاث سنين وإذا كان كذلك فلم يكن الأنصار حينئذ قد صلوا ولا أسلموا ، فإن إسلام من أسلم منهم كان حين أتى النفر الستة من الخزرج عند العقبة فدعاهم إلى الله فآمنوا ثم جاء في الموسم الثاني منهم اثنا عشر رجلا فبايعوه وهي بيعة العقبة الأولى ثم جاءوا في الموسم الثالث فبايعوه بيعة العقبة الثانية ثم هاجر إليهم في شهر ربيع الأول فكان إسلامهم قبل الهجرة بسنتين وثلاثة أشهر .
وأجاب العراقي عن ذلك الإشكال بأن الرواية الصحيحة المتفق عليها في حديث هي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بقوله : { ابن مسعود } فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم رأى ذلك منه اجتهادا قبل نزول الآية . قال : وأما الرواية التي فيها { إن في الصلاة لشغلا } فلا تقاوم الرواية الأولى للاختلاف في راويها وعلى تقدير ثبوتها فلعله أوحي إليه ذلك بوحي غير القرآن . إن الله قد أحدث من أمره أن لا يتكلم في الصلاة
وفي أن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض لأن رواية " أن لا تتكلموا " زيادة ثابتة من وجه معتبر كما سيأتي فقبولها متعين .
وأما الاعتذار بأنها بوحي غير قرآن . فذلك غير نافع لأن النزاع في كون التحريم للكلام في مكة أو في المدينة لا في خصوص أنه بالقرآن ومن جملة ما أجيب به عن ذلك الإشكال أن ممن لم يبلغه تحريم الكلام في الصلاة إلا حين نزول الآية ويرد قوله في حديث الباب : " يكلم الرجل منا صاحبه " وأن ذلك كان خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أن تكليم بعضهم بعضا في الصلاة لا يخفى عليه لأنه يراهم من خلفه كما صح عنه . ومن الأجوبة أن يكون الكلام نسخ زيد بن أرقم بمكة ثم أبيح ثم نسخت الإباحة بالمدينة .
ومنها حمل حديث على تحريم الكلام لغير مصلحة الصلاة وحديث ابن مسعود زيد على تحريم سائر الكلام . ومنها ترجيح حديث والمصير إليه ; لأنه حكى فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ابن مسعود ابن سريج والقاضي وأبو الطيب . ومنها أن أراد " بقوله كنا نتكلم في الصلاة - الحكاية عمن كان يفعل ذلك في زيد بن أرقم مكة كما يقول القائل : فعلنا كذا وهو يريد بعض قومه ، ذكر معنى ذلك وهو بعيد . ابن حبان
823 - ( وعن قال : { ابن مسعود سلمنا عليه ، فلم يرد علينا ، فقلنا : يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ؟ فقال : إن في الصلاة لشغلا النجاشي } . متفق عليه وفي رواية : { كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند بمكة قبل أن نأتي أرض الحبشة ، فلما قدمنا من أرض الحبشة أتيناه فسلمنا عليه فلم يرد فأخذني ما قرب وما بعد حتى قضوا [ ص: 370 ] الصلاة ، فسألته فقال : إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة } . رواه كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم إذ كنا أحمد ) . الرواية الثانية أخرجها أيضا والنسائي أبو داود في صحيحه . وابن حبان
قوله : ( فلم يرد ) هو يرد على من قال بجواز رد السلام في الصلاة لفظا وهم أبو هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب . قوله : ( لشغلا ) ههنا محذوفة والتقدير : لشغلا كافيا عن غيره من الكلام أو مانعا من الكلام . قوله : ( ما قرب وما بعد ) لفظ وقتادة أبي داود " ما قدم وما حدث " والمراد من هذا اللفظ ولفظ الكتاب : اتصال الأحزان البعيدة أو المتقدمة بالقريبة أو الحادثة لسبب تركه صلى الله عليه وسلم لرد السلام عليه . قوله : ( أن لا نتكلم في الصلاة ) لفظ وابن حبان أبي داود وغيره : " أن لا تكلموا في الصلاة " وزاد : " فرد عليه السلام " يعني بعد فراغه . وقد استدل به على أنه يستحب لمن سلم عليه في الصلاة أن لا يرد السلام إلا بعد فراغه من الصلاة وروي هذا عن أبي ذر وعطاء والنخعي والثوري
قال ابن رسلان : ومذهب والجمهور أن المستحب أن يرد السلام في الصلاة بالإشارة ، واستدلوا بما أخرجه الشافعي أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن أنه قال : { صهيب } قال الراوي عنه : ولا أعلمه إلا قال : " إشارة بأصبعه " وسيأتي الكلام على هذا في باب الإشارة في الصلاة لرد السلام . مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة
824 - ( وعن { معاوية بن الحكم السلمي قال : بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت وا ثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن } ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال : لا يحل مكان لا يصلح ، وفي رواية : إنما هي التسبيح والتكبير والتحميد وقراءة القرآن ) . الحديث أخرجه أيضا لأحمد ابن حبان والبيهقي
قوله : ( فرماني القوم بأبصارهم ) أي نظروا إلي بأبصارهم نظر منكر ولذلك استعير له الرمي .
قوله : ( وا ثكل أماه ) وا : حرف للندبة وثكل بضم المثلثة وإسكان الكاف وبفتحهما جميعا لغتان كالبخل والبخل حكاهما وغيره : وهو فقدان المرأة ولدها وحزنها عليه لفقده ، وقوله : ( أماه ) بتشديد الميم وأصله [ ص: 371 ] أم زيدت عليه ألف الندبة لمد الصوت وأردفت بهاء السكت وفي رواية الجوهري أبي داود " أمياه " بزيادة الياء وأصله أمي زيدت عليه ألف الندبة لذلك
قوله : ( على أفخاذهم ) هذا محمول على أنه وقع قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته للرجال والتصفيق للنساء ، ولا يقال إن ضرب اليد على الفخذ تصفيق لأن التصفيق إنما هو ضرب الكف على الكف أو الأصابع على الكف . قال القرطبي : ويبعد أن يسمى من ضرب على فخذه وعليها ثوبه مصفقا ولهذا قال : فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ولو كان يسمى هذا تصفيقا لكان الأقرب في اللفظ أن يقول يصفقون لا غير
قوله : ( لكني سكت ) قال : يريد لم أتكلم لكني سكت وورود لكن هنا مشكل لأنه لا بد أن يتقدمها كلام متناقض لما بعدها نحو ما هذا ساكنا لكنه متحرك ، أو ضد له نحو ما هو أبيض لكنه أسود ويحتمل أن يكون التقدير هنا فلما رأيتهم يسكتوني لم أكلمهم لكني سكت فيكون الاستدراك لرفع ما توهم ثبوته مثل ما زيد شجاعا لكنه كريم ، لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان فالاستدراك من توهم نفي كرمه ، ويحتمل أن يكون لكن هنا للتوكيد نحو : لو جاءني أكرمته لكنه لم يجئ فأكدت لكن ما أفادته لو من الامتناع وكذا في الحديث أكدت لكن ما أفاده ضربهم من ترك الكلام . المنذري
قوله : ( فبأبي وأمي ) متعلق بفعل محذوف تقديره أفديه بأبي وأمي . قوله : ( ما كهرني ) أي ما انتهرني والكهر : الانتهار قاله أبو عبيد . وقرأ ( فأما اليتيم فلا تكهر ) وقيل الكهر : العبوس في وجه من تلقاه . عبد الله بن مسعود
قوله : ( إن هذه الصلاة ) يعني مطلق الصلاة فيشمل الفرائض وغيرها . قوله : ( لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ) في الرواية الأخرى ( لا يحل ) استدل بذلك على تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أم لا ، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل سبح الرجل وصفقت المرأة وهذا مذهب الجمهور من أهل البيت وغيرهم من السلف والخلف . وقالت طائفة منهم الأوزاعي : إنه يجوز الكلام لمصلحة الصلاة واستدلوا بحديث ذي اليدين
وكلام الناس المذكور في الحديث اسم مصدر يراد به تارة : ما يتكلم به على أنه مصدر بمعنى المفعول وتارة يراد به : التكليم للغير وهو الخطاب للناس ، والظاهر أن المراد به ههنا الثاني بشهادة السبب . قوله : ( إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) هذا الحصر يدل بمفهومه على منع التكلم في الصلاة بغير الثلاثة وقد تمسكت به الطائفة القائلة بمنع الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن من الحنفية والهادوية
ويجاب عنهم بأن الأحاديث المثبتة لأدعية وأذكار مخصوصة في الصلاة مخصصة لعموم هذا المفهوم ، وبناء العام على الخاص متعين لا سيما بعدما تقرر أن تحريم الكلام كان بمكة كما قدمنا ، وأكثر الأدعية والأذكار في الصلاة كانت بالمدينة
وقد خصصوا هذا المفهوم بالتشهد فما [ ص: 372 ] وجه امتناعهم من التخصيص بغيره ، وهذا واضح لا يلتبس على من له أدنى نظر في العلم ولكن المتعصب أعمى وكم من حديث صحيح وسنة صريحة قد نصبوا هذا المفهوم العام في مقابلتها وجعلوه معارضا لها وردوها به وغفلوا عن بطلان معارضة العام بالخاص وعن رجحان المنطوق على المفهوم إن سلم التعارض قال رحمه اللهبعد أن ساق الحديث : وفيه دليل على أن المصنف ، وكذلك التسبيح والتحميد وأن التكبير من الصلاة وأن القراءة فرض وأن من فعله جاهلا لم تبطل صلاته حيث لم يأمر بالإعادة انتهى . تشميت العاطس من الكلام المبطل