الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7951 ) مسألة ; قال : ( والكفارة إنما تلزم من حلف يريد عقد اليمين ) وجملته أن اليمين التي تمر على لسانه في عرض حديثه ، من غير قصد إليها ، لا كفارة فيها ، في قول أكثر أهل العلم ; لأنها من لغو اليمين . نقل عبد الله ، عن أبيه ، أنه قال : اللغو عندي أن يحلف على اليمين ، يرى أنها كذلك ، والرجل يحلف فلا يعقد قلبه على شيء .

                                                                                                                                            وممن قال : إن اللغو اليمين التي لا يعقد عليها قلبه ; عمر ، وعائشة رضي الله عنهما . وبه قال عطاء ، والقاسم ، وعكرمة ، والشعبي ، والشافعي ; لما روي عن عطاء ، قال : قالت عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، يعني اللغو [ ص: 393 ] في اليمين : { هو كلام الرجل في بيته ، لا والله . وبلى والله } . أخرجه أبو داود . قال : ورواه الزهري ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، ومالك بن مغول ، عن عطاء ، عن عائشة ، موقوفا .

                                                                                                                                            وروى الزهري ، أن عروة حدثه ، عن عائشة ، قالت ، أيمان اللغو ، ما كان في المراء ، والهزل ، والمزاحة ، والحديث الذي لا يعقد عليه القلب ، وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على وجه من الأمر ، في غضب أو غيره ، ليفعلن ، أو ليتركن ، فذلك عقد الأيمان التي فرض الله - تعالى - فيها الكفارة . ولأن اللغو في كلام العرب الكلام غير المعقود عليه . وهذا كذلك .

                                                                                                                                            وممن قال : لا كفارة في هذا ; ابن عباس ، وأبو هريرة ، وأبو مالك ، وزرارة بن أوفى ، والحسن ، والنخعي ، ومالك . وهو قول من قال : إنه من لغو اليمين . ولا نعلم في هذا خلافا .

                                                                                                                                            ووجه ذلك قول الله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } . فجعل الكفارة لليمين التي يؤاخذ بها ، ونفى المؤاخذة باللغو ، فيلزم انتفاء الكفارة ، ولأن المؤاخذة يحتمل أن يكون معناها إيجاب الكفارة ، بدليل أنها تجب في الأيمان التي لا مأثم فيها ، وإذا كانت المؤاخذة إيجاب الكفارة ، فقد نفاها في اللغو ، فلا تجب ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم ، فكان إجماعا ، ولأن قول عائشة في تفسير اللغو ، وبيان الأيمان التي فيها الكفارة ، خرج منها تفسيرا لكلام الله تعالى ، وتفسير الصحابي مقبول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية