الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7954 ) فصل : والقسم بصفات الله - تعالى ، كالقسم بأسمائه . وصفاته تنقسم أيضا ثلاثة أقسام ; أحدها ، ما هو صفات لذات الله - تعالى ، لا يحتمل غيرها ، كعزة الله تعالى ، وعظمته ، وجلاله ، وكبريائه ، وكلامه .

                                                                                                                                            فهذه تنعقد بها اليمين في قولهم جميعا . وبه يقول الشافعي ، وأصحاب الرأي ; لأن هذه من صفات ذاته ، لم يزل موصوفا بها ، وقد ورد الأثر بالقسم ببعضها ، فروي أن النار تقول : " قط قط ، وعزتك " . رواه البخاري . والذي يخرج من النار يقول : " وعزتك ، لا أسألك غيرها " . وفي كتاب الله - تعالى - : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين } .

                                                                                                                                            الثاني ، ما هو صفة للذات ، ويعبر به عن غيرها مجازا ، كعلم الله وقدرته ، فهذه صفة للذات لم يزل موصوفا بها ، وقد تستعمل في المعلوم والمقدور اتساعا ، كقولهم : اللهم اغفر لنا علمك فينا . ويقال : اللهم قد أريتنا قدرتك ، فأرنا عفوك . ويقال : انظر إلى قدرة الله . أي مقدوره . فمتى أقسم بهذا ، كان يمينا . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة ، إذا قال : وعلم الله . لا يكون يمينا ; لأنه يحتمل المعلوم . ولنا ، أن العلم من صفات الله - تعالى ، فكانت اليمين به يمينا موجبة للكفارة ، كالعظمة ، والعزة ، والقدرة ، وينتقض ما ذكروه بالقدرة ، فإنهم قد سلموها ، وهي قرينتها .

                                                                                                                                            فأما إن نوى القسم بالمعلوم ، والمقدور ، احتمل أن لا يكون يمينا . وهو قول أصحاب الشافعي ; لأنه نوى بالاسم غير صفة لله ، مع احتمال اللفظ ما نواه ، فأشبه ما لو نوى القسم بمحلوف في الأسماء التي يسمى بها غير الله - تعالى . وقد روي عن أحمد ، أن ذلك يكون يمينا بكل حال ، ولا تقبل منه نية غير صفة الله - تعالى . وهو قول أبي حنيفة في القدرة ; لأن ذلك موضوع للصفة ، فلا يقبل منه نية غير الصفة ، كالعظمة . وقد ذكر طلحة العاقولي ، في أسماء الله تعالى المعرفة فاللام التعريف ، كالخالق والرازق ، أنها تكون يمينا بكل حال ; لأنها لا تنصرف إلا إلى اسم الله ، كذا هذا .

                                                                                                                                            الثالث ، مالا ينصرف بإطلاقه إلى صفة الله تعالى ، لكن ينصرف بإضافته إلى الله - سبحانه - لفظا أو نية ، كالعهد ، والميثاق ، والأمانة ، ونحوه . فهذا لا يكون يمينا مكفرة إلا بإضافته أو نيته . وسنذكر ذلك فيما بعد ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية