الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4305 [ ص: 222 ] 8 - باب: قوله: إن الله لا يظلم مثقال ذرة [النساء: 40]

                                                                                                                                                                                                                              يعني: زنة ذرة.

                                                                                                                                                                                                                              4581 - حدثني محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبو عمر حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن أناسا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة، ضوء ليس فيها سحاب؟" قالوا: لا. قال: "وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ضوء ليس فيها سحاب". قالوا: لا. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ما تضارون في رؤية الله عز وجل يوم القيامة، إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن تتبع كل أمة ما كانت تعبد. فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله، بر أو فاجر وغبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله. فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فقالوا عطشنا ربنا فاسقنا. فيشار ألا تردون، فيحشرون إلى النار كأنها سراب، يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى، فيقال لهم من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله. فيقال لهم كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأول، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر، أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها، فيقال: ماذا تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد. قالوا: فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم، ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد. فيقول: أنا ربكم، فيقولون: لا نشرك بالله شيئا. مرتين أو ثلاثا". [انظر: 22 - مسلم: 183 - فتح: 8 \ 249]

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 223 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 223 ] ذكر فيه حديث أبي سعيد في الرؤية بطوله، وأخرجه البخاري في التوحيد، ومسلم في الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن المنذر بإسناده عن عطية، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نزلت في الأعراب من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فقال رجل: فما للمهاجرين يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: إن الله لا يظلم مثقال ذرة . وفي قراءة ابن مسعود : (مثقال نملة) والذر: النمل الأحمر الصغير. قال ثعلب: مائة نملة وزن حبة، والذرة واحدة منها.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: إن الذرة لا وزن لها، ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس. حكاه ابن الأثير.

                                                                                                                                                                                                                              وزعم بعض الحساب أن زنة الشعيرة حبة، وزنة الحبة أربع رزات، وزنة الرزة أربع سمسمات، وزنة السمسمة أربع خردلات، وزنة الخردلة أربع ورقات نخالة، وزنة النخالة أربع ذرات؛ فعلمنا بهذا أن الذرة أربعة في أربعة في أربعة في أربعة، وأدركنا أن الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين من حبة، وذلك أن الحبة ضربناها في أربع ذرات جاءت ستة عشر سمسمة، والسمسمة ضربناها في أربعة جاءت أربعة وستين خردلة، وضربنا أربعة وستين خردلة جاءت مائتين (أربعة وخمسين)، ضربناها في أربعة جاءت ألفا (وستة عشر) ذرة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 224 ] وعند ابن عطية : الذرة الصغيرة من النمل، وهي أصغر ما يكون إذا مر عليها حول أنها تصغر كالأفعى. وقيل: الذرة رأس النملة الحمراء وهي الخردلة. وعند الثعلبي : قال يزيد بن هارون : زعموا أن الذرة ليس لها وزن.

                                                                                                                                                                                                                              يحكى أن رجلا وضع خبزا حتى علاه الذر بقدر ما يستره، ثم وزنه فلم يزد على مقدار الخبز شيئا.

                                                                                                                                                                                                                              وعن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب، ثم نفخ فيه وقال: كل واحدة من هؤلاء ذرة.

                                                                                                                                                                                                                              وعن قتادة : كان بعض العلماء يقول: لأن يفضل حسابي وزن ذرة أحب إلي من الدنيا جميعا.

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن مسعود مرفوعا: "تقول الملائكة: يا رب لم يبق لعبدك إلا وزن ذرة، فيقول جل وعز: ضعفوها له وأدخلوه الجنة".

                                                                                                                                                                                                                              وفي بعض النسخ بعد قوله: (زنة ذرة) يقال: هذا مثقال هذا، أي: وزنه. ومثقال مثقال من الفعل، والذرة: النملة الصغيرة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجواليقي: يظن الناس أن المثقال وزن الدينار لا غير، وليس كذلك إنما مثقال كل شيء وزنه، وكل وزن يسمى مثقالا وإن كان وزن ألف. قال الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                              كلا يوفيه الجزاء بمثقال



                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 225 ] قال الهروي: أي: يوزن، وعند أبي نصر: مثقال الشيء: ميزانه من مثله. قال الزجاج : هو مفعال من الثقل. وقيل: لكل ما يعمل وزن ومثقال تمثيلا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وفي قوله: "هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة" فيه روايات أكثرها بضم أوله، وراؤه من غير تشديد، أي: تضرون؛ لأن الضير: المضرة، من قوله تعالى: قالوا لا ضير [الشعراء: 50] أي: لا يضر. ثانيها: فتح التاء وتشديد الضاد والراء من الضرر. ثالثها: في غير هذا الموضع: "تضامون" بضم أوله من الضيم، أي: تلحقكم مشقة. رابعها: بفتح التاء وتشديد الضاد والميم معا: تتفاعلون من التزاحم والانضمام، وأهل السنة على إثبات رؤية الله تعالى، وتأولوا قوله: لا تدركه الأبصار [الأنعام: 103] في الدنيا. وقال بعضهم: بل يجوز أن يرى في الدنيا، وإنما معنى الآية: لا تحيط به.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وغبرات أهل الكتاب) أي: بقاؤهم، أصله غابر وغبر، مثل راكع وركع، وجمع غبر: غبرات، والمشهور في الاستعمال أن الغبر اسمه واحد وهي البقية، وأما البقايا فهي المغبرات، وواحد الأغبار غبرة، وغبر الشيء يغبر غبورا إذا مكث، وغبر الشيء بمعناه، وتغبرت الناقة: حلبت غبيرها، وهي بقية اللبن، والغابر: الماضي أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (يحطم بعضها بعضا) يكسر بعضها بعضا؛ ولذلك سميت النار الحطمة؛ لأنها تحطم كل شيء، أي: تكسره وتأتي عليه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية