الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4329 [ ص: 273 ] 28 - باب: قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد [النساء: 176]

                                                                                                                                                                                                                              والكلالة: من لم يرثه أب أو ابن، وهو مصدر من تكلله النسب.

                                                                                                                                                                                                                              4605 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت البراء - رضي الله عنه - قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت يستفتونك [انظر: 4364 - مسلم: 1618 - فتح: 8 \ 267]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم أسند عن البراء قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت يستفتونك .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              أثر البراء سلف في المغازي ويأتي في سورة براءة، وأخرجه في الفرائض أيضا. وظاهر ما ذكره في الكلالة أنه جعلها مصدرا لمن لم يرثه أب أو ابن، وقد روي عن علي وزيد وابن مسعود وابن عباس أنهم قالوا: إنها من لا ولد له ولا والد، وهو قول البصريين، قالوا: هو مثل قوله: رجل عقيم إذا لم يولد له، مأخوذ من الإكليل، كأن الورثة أحاطوا به، وليس له أب ولا ابن، وقيل: من كل يكل، يقال: كلت

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 274 ] الرحم إذا تباعدت، وطال انتسابها، منه: كل في مشيه إذا انقطع لبعد المسافة، وقيل: إنها الورثة، فقيل: هم من سوى الولد، وقيل: والوالد، قاله أهل المدينة والكوفة. وقيل: هم الإخوة للأم، وقيل: الإخوة من كانوا، وقيل: هم من سوى الولد وولد الولد. -ذكره الداودي - وقيل: إنها المال. قاله عطاء . وقيل: الفريضة. وقيل: المال والورثة، وقال ابن دريد: هم بنو العم ومن أشبهه. وقيل: هم العصبات كلهم وإن بعدوا، وقيل: هو مصدر كما في البخاري ليس للورثة ولا للمال، قيل: مثل قولهم: قتل فلان صبرا وأدخل كرها.

                                                                                                                                                                                                                              ووقف عمر - رضي الله عنه - فيها عند سؤاله؛ وقال لابن عباس : احفظ عني ثلاثا: أني لم أقل في الكلالة ولا الجد شيئا ولم [أستخلف] أحدا. وقيل: الكلالة الميت والحي إذا لم يكن ولد ولا ولد ولد له هذا يرث بالكلالة وهذا يورث بها. قيل: وعلى قول من قال: إن بها من لا ولد له يرث الإخوة مع الأب، وهو قول شاذ. وقيل: هذه الآية في الأخت من الأب والتي قبلها من الإخوة للأم، قال الداودي : وفي الآية دليل أن الأخت ترث مع البنت خلافا لابن عباس القائل: إنما ترث الأخت إذا لم يكن بنت، واحتج بهذه الآية، قال: ويدل على إرثها معها قوله: وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فلو كان كما قال ابن عباس لم يرث الأخ مع البنت ولا مع البنات، وهذا لا يقوله أحد، وقد ورث الشارع البنت النصف، وبنت الابن السدس، وللأخت ما بقي.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 275 ] وروي أن جابر بن عبد الله قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طريق مكة عام حجة الوداع: إن لي أختا، فما آخذ من ميراثها؟ فنزلت: يستفتونك الآية. وقيل: إنها من آخر ما أنزل من الأحكام. رواه أبو داود .

                                                                                                                                                                                                                              وفي النسائي عن جابر قال: اشتكيت فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، أوصي لأخواتي بالثلثين؟ قال: "أحسن" قلت: الشطر؟ قال: "أحسن" ثم خرج وتركني ثم دخل علي فقال: "لا أراك تموت من وجعك هذا، إن الله أنزل وبين ما لأخواتك وهو الثلثان" فكان جابر يقول: نزلت هذه الآية في يستفتونك .

                                                                                                                                                                                                                              ولعبد الرزاق، عن معمر ، عن أيوب، عن ابن سيرين : نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير له وإلى جانبه حذيفة فبلغها رسول الله حذيفة فبلغها حذيفة لعمر ، فلما استخلف عمر سأل حذيفة عنها رجاء أن يكون عنده تفسيرها، فقال له حذيفة : أن ظننت أن إمارتك تحملني أن أحدثك فيها ما لم أحدثك، قال عمر : لم أرد هذا رحمك الله.

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي من حديث طاوس : أن عمر أمر حفصة أن تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكلالة، فسألته، فقال: "أولم تكفه آية الصيف" قال سفيان : أي: وإن كان رجل يورث كلالة قال: فأتت بها عمر ، فقرأها، فلما بلغ يبين الله لكم أن تضلوا طرح الكتف من يده، وقال: اللهم من بينت له، فلم تبين لي،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 276 ] وقيل: إن السائل عن هذا هو عمر . حكاه المنذري، وفي أبي داود، قيل لأبي إسحاق السبيعي: آية الصيف هي من مات ولم يدع ولدا ولا والدا؟ قال: كذلك ظنوا أنه كذلك، وكان الصديق يرى أن الكلالة ما عدا الوالد والولد، وعمر يرى ما عدا الولد؛ فلما طعن عمر قال: إني لأستحيي أن أخالف أبا بكر ، فرجع إلى قوله، وقيل: إن آخر كلام عمر أنها من لا ولد له ووافق الصديق ابن عباس وباقي الصحابة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية