الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8021 ) مسألة ; قال : ( لكل مسكين مد من حنطة أو دقيق ، أو رطلان خبزا ، أو مدان تمرا أو شعيرا ) أما مقدار ما يعطى كل مسكين وجنسه ، فقد ذكرناه في باب الظهار . ونص الخرقي على أنه يجزئ الدقيق والخبز . ونص أحمد عليه أيضا . وروي عنه ، لا يجزئ الخبز ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وقال : لا يجزئه دقيق ولا سويق ; لأنه خرج عن حالة الكمال والادخار ولا يجزئ في الزكاة ، فلم يجزئ في الكفارة ، كالقيمة .

                                                                                                                                            ولنا ; قول الله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم } . وهذا [ ص: 5 ] قد أطعمهم من أوسط ما يطعم أهله ، فوجب أن يجزئه . روى الإمام أحمد ، في كتاب التفسير ، بإسناده عن ابن عمر : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } . قال : الخبز واللبن . وفي رواية عنه ، قال : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } . الخبز والتمر ، والخبز والزيت ، والخبز والسمن .

                                                                                                                                            وقال أبو رزين : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } : خبز وزيت وخل . وقال الأسود بن يزيد الخبز والتمر . وعن علي . الخبز : والتمر ، الخبز والسمن ، الخبز واللحم . وعن ابن سيرين ، قال : كانوا يقولون : أفضله الخبز واللحم ، وأوسطه الخبز والسمن ، وأخسه الخبز والتمر . وقال عبيدة الخبز والزيت .

                                                                                                                                            وسأل رجل شريحا ما أوسط طعام أهلي ؟ فقال شريح إن الخبز والخل والزيت لطيب . فقال له رجل : أفرأيت الخبز واللحم ؟ قال : أرفع طعام أهلك ، وطعام الناس ؟ وعن علي والحسن ، والشعبي ، وقتادة ، ومالك ، وأبي ثور يغديهم أو يعشيهم . وهذا اتفاق على تفسير ما في الآية بالخبز ، ولأنه أطعم المساكين من أوسط طعام أهله ، فأجزأه ، كما لو أعطاه حبا ، ويفارق الزكاة من وجهين ; أحدهما ، أن الواجب عليه عشر الحب وعشر الحب حب ، فاعتبر الواجب ، وها هنا الواجب الإطعام ، والخبز أقرب إليه .

                                                                                                                                            والثاني ، أن دفع الزكاة يراد للاقتيات في جميع العام ، فيحتاج إلى ادخاره ، فاعتبر أن يكون على صفة تمكن من ادخاره عاما ، والكفارة تراد لدفع حاجة يومه ، ولهذا تقدرت بما الغالب أنه يكفيه ليومه ، والخبز أقرب إلى ذلك ; لأنه قد كفاه مؤنة طحنه وخبزه . إذا تقرر هذا ، فإنه إن أعطى المسكين رطلي خبز بالعراقي ، أجزأه ; لأنه لا يكون من أقل من مد ، وقدر ذلك بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم ، خمس أواق وسبع أوقية ، وإن طحن مدا ، وخبزه ، أجزأه . نص عليه أحمد .

                                                                                                                                            وكذلك إذا دفع دقيق المد إلى المسكين ، أجزأه . وإن دفع الدقيق من غير تقدير حنطته ، فقال أحمد : يجزئه بالوزن رطل وثلث ، ولا يجزئه إخراج مد دقيق بالكيل ; لأنه يروع بالطحن ، فحصل في مد دقيق الحب أقل من مد الحب . وإن زاد في الدقيق عن مد ، بحيث يعلم إنه قدر مد حنطة ، جاز . وقول الخرقي في مد من دقيق . يحتمل أنه أراد إخراجه بالوزن ، كما ذكر أحمد ، ويحتمل أنه أراد مدا من الحنطة ، طحنه ثم أخرج دقيقه ويحتمل أنه أراد إخراج ما يعلم أن حبه مد ; لما ذكرنا .

                                                                                                                                            ويجب أن يحمل قوله في الدقيق والخبز على دقيق الحنطة وخبزها ، فإن أعطى من الشعير ، لم يجزئه إلا ضعف ذلك ، كما لا يجزئ من حبها إلا ضعف ما يجزئ من حب البر . ( 8022 ) فصل : والأفضل إخراج الحب ; لأن فيه خروجا من الخلاف . قال أحمد التمر أعجب إلي ، والدقيق ضعيف ، والتمر أحب إلي ، ويحتمل أن يكون إخراج الخبز أفضل ; لأنه أنفع للمسكين ، وأقل كلفة ، وأقرب إلى حصول المقصود منه بغنيته ، والظاهر أن المسكين يأكله ، ويستغني به في يومه ذلك ، والحب يعجز عن طحنه وعجنه ، فالظاهر أنه يحتاج إلى بيعه ، ثم يشتري بثمنه خبزا ، فيتكلف حمل كلفة البيع والشراء ، وغبن البائع والمشتري له ، وتأخر حصول النفع به ، وربما لم يحصل له بثمنه من الخبز ما يكفيه ليومه ، فيفوت المقصود مع حصول الضرر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية