الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4334 [ ص: 290 ] 5 - باب: قوله: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية [المائدة: 33]

                                                                                                                                                                                                                              المحاربة لله: الكفر به.

                                                                                                                                                                                                                              4610 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا ابن عون قال: حدثني سلمان أبو رجاء -مولى أبي قلابة- عن أبي قلابة: أنه كان جالسا خلف عمر بن عبد العزيز، فذكروا وذكروا، فقالوا وقالوا: قد أقادت بها الخلفاء، فالتفت إلى أبي قلابة وهو خلف ظهره، فقال: ما تقول يا عبد الله بن زيد؟ أو قال: ما تقول يا أبا قلابة؟ قلت: ما علمت نفسا حل قتلها في الإسلام إلا رجل زنى بعد إحصان، أو قتل نفسا بغير نفس، أو حارب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم. فقال عنبسة: حدثنا أنس بكذا وكذا. قلت: إياي حدث أنس قال: قدم قوم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلموه فقالوا: قد استوخمنا هذه الأرض. فقال: " هذه نعم لنا تخرج، فاخرجوا فيها، فاشربوا من ألبانها وأبوالها". فخرجوا فيها، فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحوا، ومالوا على الراعي فقتلوه، واطردوا النعم، فما يستبطأ من هؤلاء؟ قتلوا النفس، وحاربوا الله ورسوله، وخوفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم. فقال: سبحان الله! فقلت تتهمني؟ قال: حدثنا بهذا أنس. قال: وقال يا أهل كذا، إنكم لن تزالوا بخير ما أبقي هذا فيكم -أو- مثل هذا. [انظر: 233 - مسلم: 1671 - فتح: 8 \ 273]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث أبي قلابة : أنه كان جالسا خلف عمر بن عبد العزيز ، فذكروا وذكروا، فقالوا وقالوا: قد أقادت بها الخلفاء، فالتفت إلى أبي قلابة وهو خلف ظهره، فقال: ما تقول يا عبد الله بن زيد؟ أو قال: ما تقول يا أبا قلابة؟ قلت: ما علمت نفسا حل قتلها في الإسلام إلا رجلا زنى بعد إحصان، أو قتل نفسا بغير نفس،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 291 ] أو حارب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم.
                                                                                                                                                                                                                              فقال عنبسة: ثنا أنس بكذا وكذا. قلت: إياي حدث أنس قال: قدم قوم.

                                                                                                                                                                                                                              فذكر حديث العرنيين السالف في الطهارة، وفي آخره: حاربوا الله ورسوله، وخوفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم. فقال: سبحان الله! فقلت: تتهمني؟ قال: حدثنا بهذا أنس . قال: وقال: يا أهل كذا، إنكم لن تزالوا بخير ما بقي هذا فيكم أو مثل هذا.


                                                                                                                                                                                                                              وقوله هنا (فذكروا وذكروا) قد أتى مثبتا في موضع آخر من البخاري ، وهو أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا فقال لهم: ما تقولون في القسامة؟ فقالوا: نقول في القسامة: القود بها حق قد أقادت بها الخلفاء، فقال لي: ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس، فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رءوس الأجناد وأشراف العرب أرأيت لو أن خمسين رجلا منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنا، ولم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه قد سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا، قلت: فوالله ما قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط إلا في إحدى ثلاث خصال، فذكرهن فقال القوم: أوليس قد حدث أنس بن مالك أن نفرا من عكل … الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وعنبسة المذكور هو: ابن سعيد بن العاصي بن أمية -أخو يحيى وعمرو الأشدق قتيل عبد الملك - أبو خالد ، أخرجا له. وعنبسة بن أبي سفيان أبو الوليد من أفراد مسلم . وعنبسة بن خالد بن يزيد الأيلي انفرد به البخاري ، وروى عن عمه يونس بن يزيد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 292 ] وتفسيره المحاربة أسنده ابن أبي حاتم من حديث سعيد بن جبير ، عنه يعني بالمحاربة: الكفر بعد الإسلام. وفسره غيره باللص الذي يقطع الطريق، والمكابر في الأمصار الذي يحمل السلاح على المسلمين، ويقصدهم أي موضع كان، وهو قول مالك والشافعي والأوزاعي والليث وابن لهيعة. وقيل: هو قاطع الطريق، فأما المكابر في الأمصار فليس بمحارب، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الحصار: واتفق العلماء على إجراء الآية على كل محارب من المسلمين، وقال الطبري : اختلف فيمن نزلت فيه، فقال علي بن أبي طلحة : عن ابن عباس أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، وعند أبي داود: نزلت في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه، وكذلك قال الحسن وعكرمة : نزلت في المشركين.

                                                                                                                                                                                                                              وقال قوم: نزلت في العرنيين، وفي بعض الرواية قال أنس : نزلت هذه الآية فيهم، وقال السدي : نزلت في سودان عرنية، أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبهم الماء الأصفر، فشكوا ذلك إليه، الحديث … وروي أنه - عليه السلام - أرسل جريرا في أثرهم فأتى بهم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 293 ] وفيه دلالة أن قصتهم كانت متأخرة؛ لتأخر إسلام جرير .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الكلبي فيما حكاه الثعلبي :

                                                                                                                                                                                                                              نزلت في قوم من بني هلال، كان أبو برزة الأسلمي عاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يعينه ولا يعين عليه، من أتاه من المسلمين فهو آمن، فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم من قوم أبي برزة ، ولم يكن أبو برزة يومئذ شاهدا، فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزلت.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              زعم قوم أن هذه الآية ناسخة لقصة العرنيين، قاله ابن سيرين وأبو الزناد والداودي، والأحسن أنها محكمة، وفعله كان قصاصا بالمماثلة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في المحارب هل هو المشرك فقط أو الفاسق بشهر السلاح أو المرتد، أو مطلقا؟ على أقوال، وهل (أو) في الآية للتنويع أو للتخيير؟

                                                                                                                                                                                                                              فيه قولان للعلماء، وبالأول قال الشافعي -كما ذكرناه في الطهارة- وبالثاني قال مالك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 294 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              الخصال الثلاث المذكورة في الحديث قد جاء في أحاديث أخر زيادة عليها، منها: حد الساحر ضربه بالسيف، ومنها: إذا بويع بخليفتين فاقتلوا الآخر منهما، ومنها: قتل اللائط.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية