الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8033 ) مسألة ; قال : ( وإن شاء أعتق رقبة مؤمنة ، قد صلت وصامت ; لأن الإيمان قول وعمل ، وتكون سليمة ، ليس فيها نقص يضر بالعمل ) وجملته أن إعتاق الرقبة أحد خصال الكفارة ، بغير خلاف ; لنص الله تعالى عليه ، بقوله : { أو تحرير رقبة } . ويعتبر في الرقبة ثلاثة أوصاف ; أحدها ، أن تكون مؤمنة . في ظاهر المذهب . وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي عبيد .

                                                                                                                                            وعن أحمد ، رواية أخرى ، أن الذمية تجزئ . وهو قول عطاء ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ; لقول الله - تعالى : { فتحرير رقبة مؤمنة } وهذا مطلق ، فتدخل فيه الكافرة . ولنا ، أنه تحرير في كفارة ، فلا يجزئ فيه الكافرة ، ككفارة القتل ، والجامع بينهما ، أن الإعتاق يتضمن تفريغ العبد المسلم لعبادة ربه ، وتكميل أحكامه وعبادته وجهاده ، ومعونة المسلم ، فناسب ذلك شرع إعتاقه في الكفارة ، تحصيلا لهذه [ ص: 10 ] المصالح ، والحكم مقرون بها في كفارة القتل المنصوص على الإيمان فيها ، فيعلل بها ، ويتعدى ذلك الحكم إلى كل تحرير في كفارة ، فيختص بالمؤمنة ، لاختصاصها بهذه الحكمة .

                                                                                                                                            وأما المطلق الذي احتجوا به ، فإنه يحمل على المقيد في كفارة القتل ، كما حمل مطلق قوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } . على المقيد في قوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } . وإن لم يحمل عليه من جهة اللغة ، حمل عليه من جهة القياس . الثاني ، أن تكون قد صلت وصامت . وهذا قول الشعبي ، ومالك ، وإسحاق . قال القاضي : لا يجزئ من له دون السبع ; لأنه لا تصح منه العبادات ، في ظاهر كلام أحمد . وظاهر كلام الخرقي ، المعتبر الفعل دون السن ، فمن صلى وصام ممن له عقل يعرف الصلاة والصيام ، ويتحقق منه الإتيان به بنيته وأركانه ، فإنه يجزئ في الكفارة وإن كان صغيرا ولم يوجدا منه ، لم يجزئ في الكفارة وإن كان كبيرا . وقال أبو بكر ، وغيره من أصحابنا : يجوز إعتاق الطفل في الكفارة .

                                                                                                                                            وهو قول الحسن ، وعطاء ، والزهري ، والشافعي ، وابن المنذر ; لأن المراد بالإيمان هاهنا الإسلام ; بدليل إعتاق الفاسق . قال الثوري المسلمون كلهم مؤمنون عندنا في الأحكام ، ولا ندري ما هم عند الله . ولهذا تعلق حكم القتل بكل مسلم ، بقوله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ } . والصبي محكوم بإسلامه ، يرثه المسلمون ويرثهم ، ويدفن في مقابر المسلمين ، ويغسل ويصلى عليه ، وإن سبي منفردا عن أبويه أجزأه عتقه ; لأنه محكوم بإسلامه ، وكذلك إن سبي مع أحد أبويه ، ولو كان أحد أبوي الطفل مسلما ، والآخر كافرا ، أجزأ إعتاقه ; لأنه محكوم بإسلامه .

                                                                                                                                            وقال القاضي ، في موضع : يجزئ إعتاق الصغير في جميع الكفارات ، إلا كفارة القتل ; فإنها على روايتين . وقال إبراهيم النخعي ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة ، فلا يجزئ إلا ما صام وصلى ، وما كان في القرآن رقبة ليست بمؤمنة ، فالصبي يجزئ . ونحو هذا قول الحسن . ووجه قول الخرقي ، أن الواجب رقبة مؤمنة ، والإيمان قول وعمل ، فما لم تحصل الصلاة والصيام ، لم يحصل العمل .

                                                                                                                                            وقال مجاهد ، وعطاء ، في قوله : { فتحرير رقبة مؤمنة } قال : قد صلت . ونحو هذا قول الحسن ، وإبراهيم . وقال مكحول إذا ولد المولود فهو نسمة ، فإذا تقلب ظهرا لبطن فهو رقبة ، فإذا صلى فهو مؤمنة . ولأن الطفل لا تصح منه عبادة ; لفقد التكليف ، فلم يجزئ في الكفارة ، كالمجنون ، ولأن الصبا نقص يستحق به النفقة على القريب ، أشبه الزمانة . والقول الآخر أقرب إلى الصحة ، إن شاء الله - تعالى ; لأن الإيمان الإسلام ، وهو حاصل في حق الصغير ويدل على هذا { ، أن معاوية بن الحكم السلمي ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية ، فقال لها : أين الله ؟ قالت : في السماء قال : من أنا ؟ . قالت : أنت رسول الله . قال : أعتقها ، فإنها مؤمنة } . رواه مسلم .

                                                                                                                                            وفي حديث عن أبي هريرة ، { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية ، فقال : يا رسول الله : إن علي رقبة . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين الله ؟ فأشارت برأسها إلى السماء . [ ص: 11 ] قال : من أنا ؟ . فأشارت إلى رسول الله وإلى السماء . أي : أنت رسول الله . قال : أعتقها ; } .

                                                                                                                                            فحكم لها بالإيمان بهذا القول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية