الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كثر

                                                          كثر : الكثرة والكثرة والكثر : نقيض القلة . التهذيب : ولا تقل الكثرة ، بالكسر ، فإنها لغة رديئة ، وقوم كثير وهم كثيرون . الليث : الكثرة نماء العدد . يقال : كثر الشيء يكثر كثرة ، فهو كثير . وكثر الشيء : أكثره ، وقله : أقله . والكثر ، بالضم ، من المال : الكثير ، يقال : ما له قل ولا كثر ; وأنشد أبو عمرو لرجل من ربيعة :

                                                          [ ص: 27 ]

                                                          فإن الكثر أعياني قديما ولم أقتر لدن أني غلام



                                                          قال ابن بري : الشعر لعمرو بن حسان من بني الحارث بن همام ; يقول أعياني طلب الكثرة من المال وإن كنت غير مقتر من صغري إلى كبري ، فلست من المكثرين ولا المقترين ; قال : وهذا يقوله لامرأته وكانت لامته في نابين عقرهما لضيف نزل به يقال له إساف ، فقال :


                                                          أفي نابين نالهما إساف     تأوه طلتي ما أن تنام ؟
                                                          أجدك هل رأيت أبا قبيس     أطال حياته النعم الركام ؟
                                                          بنى بالغمر أرعن مشمخرا     تغنى في طوائقه الحمام
                                                          تمخضت المنون له بيوم     أنى ، ولكل حاملة تمام
                                                          وكسرى إذا تقسمه بنوه     بأسياف كما اقتسم اللحام



                                                          قوله : أبا قبيس يعني به النعمان بن المنذر ، وكنيته أبو قابوس ، فصغره تصغير الترخيم . والركام : الكثير ; يقول : لو كانت كثرة المال تخلد أحدا لأخلدت أبا قابوس . والطوائق : الأبنية التي تعقد بالآجر . وشيء كثير وكثار : مثل طويل وطوال . ويقال : الحمد على القل والكثر ، والقل والكثر . وفي الحديث : نعم المال أربعون والكثر ستون الكثر ; بالضم : الكثير كالقل في القليل ، والكثر معظم الشيء وأكثره ، كثر الشيء كثارة فهو كثير وكثار وكثر . وقوله تعالى : ( والعنهم لعنا كثيرا ) ، قال ثعلب : معناه دم عليه وهو راجع إلى هذا لأنه إذا دام عليه كثر . وكثر الشيء : جعله كثيرا . وأكثر : أتى بكثير ، وقيل : كثر الشيء وأكثره جعله كثيرا . وأكثر الله فينا مثلك : أدخل ; حكاه سيبويه . وأكثر الرجل أي كثر ماله . وفي حديث الإفك : . . . ولها ضرائر إلا كثرن فيها ، أي كثرن القول فيها والعنت لها ; وفيه أيضا : وكان حسان ممن كثر عليها ، ويروى بالباء الموحدة ، وقد تقدم . ورجل مكثر : ذو كثر من المال ; ومكثار ومكثير : كثير الكلام ، وكذلك الأنثى بغير هاء ; قال سيبويه : ولا يجمع بالواو والنون ؛ لأن مؤنثه لا تدخله الهاء . والكاثر : الكثير . وعدد كاثر : كثير ; قال الأعشى :


                                                          ولست بالأكثر منهم حصى     وإنما العزة للكاثر



                                                          الأكثر هاهنا بمعنى الكثير ، وليست للتفضيل ؛ لأن الألف واللام و ( من ) يتعاقبان في مثل هذا ; قال ابن سيده : وقد يجوز أن تكون للتفضيل وتكون ( من ) غير متعلقة بالأكثر ، ولكن على قول أوس بن حجر :


                                                          فإنا رأينا العرض أحوج ، ساعة     إلى الصدق من ريط يمان مسهم



                                                          ورجل كثير : يعني به كثرة آبائه وضروب عليائه . ابن شميل عن يونس : رجال كثير ، ونساء كثير ، ورجال كثيرة ، ونساء كثيرة . والكثار بالضم : الكثير . وفي الدار كثار وكثار من الناس أي جماعات ، ولا يكون إلا من الحيوانات . وكاثرناهم فكثرناهم أي غلبناهم بالكثرة . وكاثروهم فكثروهم يكثرونهم : كانوا أكثر منهم ; ومنه قول الكميت يصف الثور والكلاب :


                                                          وعاث في غابر منها بعثعثة     نحر المكافئ والمكثور يهتبل


                                                          العثعثة : اللين من الأرض . والمكافئ : الذي يذبح شاتين إحداهما مقابلة الأخرى للعقيقة . ويهتبل : يفترض ويحتال . والتكاثر : المكاثرة . وفي الحديث : إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه ; أي غلبتاه بالكثرة وكانتا أكثر منه . الفراء في قوله تعالى : ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ; نزلت في حيين تفاخروا أيهم أكثر عددا وهم بنو عبد مناف و بنو سهم ، فكثرت بنو عبد مناف بني سهم ، فقالت بنو سهم : إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالأحياء والأموات . فكثرتهم بنو سهم فأنزل الله تعالى : ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ; أي حتى زرتم الأموات ; وقال غيره : ألهاكم التفاخر بكثرة العدد والمال حتى زرتم المقابر أي حتى متم ; قال جرير للأخطل :


                                                          زار القبور أبو مالك     فأصبح ألأم زوارها



                                                          فجعل زيارة القبور بالموت ، وفلان يتكثر بمال غيره . وكاثره الماء واستكثره إياه إذا أراد لنفسه منه كثيرا ليشرب منه ، وإن كان الماء قليلا . واستكثر من الشيء : رغب في الكثير منه وأكثر منه أيضا . ورجل مكثور عليه إذا كثر عليه من يطلب منه المعروف ، وفي الصحاح : إذا نفد ما عنده وكثرت عليه الحقوق مثل مثمود ومشفوه ومضفوف . وفي حديث قزعة : أتيت أبا سعيد وهو مكثور عليه . يقال : رجل مكثور عليه إذا كثرت عليه الحقوق والمطالبات ; أراد أنه كان عنده جمع من الناس يسألونه عن أشياء فكأنهم كان لهم عليه حقوق فهم يطلبونها . وفي حديث مقتل الحسين - عليه السلام : ما رأينا مكثورا أجرأ مقدما منه ; المكثور : المغلوب وهو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه ، أي ما رأينا مقهورا أجرأ إقداما منه . والكوثر : الكثير من كل شيء . والكوثر : الكثير الملتف من الغبار إذا سطع وكثر ، هذلية ; قال أمية يصف حمارا وعانته :


                                                          يحامي الحقيق إذا ما احتدمن     وحمحمن في كوثر كالجلال



                                                          أراد : في غبار كأنه جلال السفينة . وقد تكوثر الغبار إذا كثر ; قال حسان بن نشبة :


                                                          أبوا أن يبيحوا جارهم لعدوهم     وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا



                                                          وقد تكوثر . ورجل كوثر : كثير العطاء والخير . والكوثر : السيد الكثير الخير ; قال الكميت :


                                                          وأنت كثير ، يا ابن مروان ، طيب     وكان أبوك ابن العقائل كوثرا



                                                          وقال لبيد :


                                                          وعند الرداع بيت آخر كوثر



                                                          والكوثر : النهر ; عن كراع . والكوثر : نهر في الجنة ، يتشعب منه جميع أنهارها ، وهو للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة . وفي حديثمجاهد : أعطيت الكوثر ، وهو نهر في الجنة ، وهو فوعل من الكثرة والواو زائدة ، ومعناه الخير الكثير . وجاء في التفسير : أن الكوثر القرآن والنبوة . وفي التنزيل العزيز : إنا أعطيناك الكوثر ; قيل : الكوثر هاهنا الخير الكثير [ ص: 28 ] الذي يعطيه الله أمته يوم القيامة ، وكله راجع إلى معنى الكثرة . وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الكوثر نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، في حافتيه قباب الدر المجوف ، وجاء أيضا في التفسير : أن الكوثر الإسلام والنبوة ، وجميع ما جاء في تفسير الكوثر قد أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطي النبوة وإظهار الدين الذي بعث به على كل دين والنصر على أعدائه والشفاعة لأمته ، وما لا يحصى من الخير ، وقد أعطي من الجنة على قدر فضله على أهل الجنة - صلى الله عليه وسلم - . وقال أبو عبيدة : قال عبد الكريم أبو أمية : قدم فلان بكوثر كثير ، وهو فوعل من الكثرة . أبو تراب : الكيثر بمعنى الكثير ; وأنشد :


                                                          هل العز إلا اللهى والثرا     ء والعدد والكيثر الأعظم ؟



                                                          فالكيثر والكوثر واحد . والكثر والكثر بفتحتين : جمار النخل ، أنصارية وهو شحمه الذي في وسطه النخلة ; في كلام الأنصار : وهو الجذب أيضا . ويقال : الكثر طلع النخل ; ومنه الحديث : لا قطع في ثمر ولا كثر ، وقيل : الكثر الجمار عامة ، واحدته كثرة . وقد أكثر النخل أي أطلع . وكثير : اسم رجل ; ومنه كثير بن أبي جمعة ، وقد غلب عليه لفظ التصغير . و كثيرة : اسم امرأة . والكثيراء : عقير معروف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية