الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب انشقاق القمر

                                                                                                                                                                                                        3655 حدثني عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا بشر بن المفضل حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب انشقاق القمر ) أي في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل المعجزة له ، وقد ترجم بمعنى ذلك في علامات النبوة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أنس ) زاد في الرواية التي في علامات النبوة أنه حدثهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن أهل مكة ) هذا من مراسيل الصحابة ؛ لأن أنسا لم يدرك هذه القصة ، وقد جاءت هذه القصة من حديث ابن عباس وهو أيضا ممن لم يشاهدها ، ومن حديث ابن مسعود وجبير بن مطعم وحذيفة وهؤلاء شاهدوها ، ولم أر في شيء من طرقه أن ذلك كان عقب سؤال المشركين إلا في حديث أنس ، فلعله سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وجدت في بعض طرق حديث ابن عباس بيان صورة السؤال ، وهو وإن كان لم يدرك القصة لكن في بعض طرقه ما يشعر بأنه حمل الحديث عن ابن مسعود كما سأذكره ، فأخرج أبو نعيم في " الدلائل " من وجه ضعيف عن ابن عباس قال : اجتمع المشركون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبي [ ص: 222 ] صلى الله عليه وسلم : إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين ، فسأل ربه فانشق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( شقتين ) بكسر المعجمة أي نصفين ، وتقدم في العلامات من طريق سعيد وشيبان عن قتادة بدون هذه اللفظة . وأخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري من حديث سعيد عن قتادة بلفظ " فأراهم انشقاق القمر مرتين " وأخرجه من طريق معمر عن قتادة قال بمعنى حديث شيبان .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وهو في مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ " مرتين " أيضا ، وكذلك أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق ، وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ " فرقتين " قال البيهقي : قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة عنه " مرتين " . قلت : لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة ولم يختلف على شعبة وهو أحفظهم ، ولم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بلفظ " مرتين " إنما فيه " فرقتين أو فلقتين " بالراء أو اللام وكذا في حديث ابن عمر " فلقتين " وفي حديث جبير بن مطعم " فرقتين " وفي لفظ عنه " فانشق باثنتين " وفي رواية عن ابن عباس عند أبي نعيم في الدلائل " فصار قمرين " وفي لفظ " شقتين " وعند الطبراني من حديثه " حتى رأوا شقيه " ووقع في نظم السيرة لشيخنا الحافظ أبي الفضل : وانشق مرتين بالإجماع . ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه - صلى الله عليه وسلم - ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين ، وتكلم ابن القيم على هذه الرواية فقال : المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى ، والأول أكثر . ومن الثاني " انشق القمر مرتين " وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين ، وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة . وقد قال العماد ابن كثير : في الرواية التي فيها " مرتين " نظر ، ولعل قائلها أراد فرقتين . قلت : وهذا الذي لا يتجه غيره جمعا بين الروايات . ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور ، ولفظه :


                                                                                                                                                                                                        فصار فرقتين فرقة علت وفرقة للطود منه نزلت .

                                                                                                                                                                                                        وذاك مرتين بالإجماع
                                                                                                                                                                                                        والنص والتواتر السماع



                                                                                                                                                                                                        فجمع بين قوله : " فرقتين " وبين قوله : " مرتين " فيمكن أن يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد ، مع أن في نقل الإجماع في نفس الانشقاق نظرا سيأتي بيانه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى رأوا حراء بينهما ) أي بين الفرقتين ، وحراء تقدم ضبطه في بدء الوحي وهو على يسار السائر من مكة إلى منى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية