الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر التحريف؛ ذكر أثره؛ وهو الحكم به؛ فقال مكررا لوصفهم؛ زيادة في توبيخهم؛ وتقبيح شأنهم: سماعون ؛ أي: هم في غاية الشهوة؛ والانهماك في سماعهم ذلك؛ للكذب أكالون ؛ أي: على وجه المبالغة؛ للسحت ؛ أي: الحرام؛ الذي يسحت البركة؛ أي: يستأصلها؛ وهو كل ما لا يحل كسبه؛ وذلك أخذهم الرشا ليحكموا بالباطل؛ على نحو ما حرفوه؛ وغيره من كلام الله؛ قال الشيخ أبو العباس المرسي: ومن آثر من الفقراء السماع لهواه؛ وأكل ما حرمه مولاه؛ فقد استهوته نزعة يهودية؛ فإن القوال يذكر العشق؛ والمحبة؛ والوجد؛ وما عنده منها شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا قد يأخذون الرشوة ولا يقدرون على إبرام الحكم بما أرادوه؛ فيطمعون في أن يفعلوا ذلك بواسطة ترافعهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيترافعون إليه؛ فإن حكم بينهم بما أرادوا قبلوه؛ واحتجوا به على [ ص: 142 ] من لعله يخالفهم؛ وإن حكم بما لم يريدوه قالوا: ليس هذا في ديننا - طمعا في أن يخليهم؛ فلا يلزمهم بما حكم -؛ أعلمه الله (تعالى) بما يفعل في أمرهم؛ وحذره غوائل مكرهم؛ فقال - مفوضا الخيرة إليه في أمر المعاهدين إلى مدة - وأما أهل الجزية فيجب الحكم بينهم إذا ترافعوا إلى حاكمنا -؛ مسببا عن أكلهم الحرام؛ وسماعهم الكذب -: فإن جاءوك ؛ أي: طمعا في أن تؤتيهم ما حرفوا إليه الكلم؛ فاحكم بينهم ؛ أي: إن شئت؛ بما أنزل الله عليك من الحق؛ أو أعرض عنهم ؛ أي: كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان قوله: وإن دالا - بعطفه على غير معطوف عليه - أن التقدير: "فإن حكمت بينهم لم ينفعوك شيئا؛ لإقبالك عليهم"؛ قال: وإن تعرض عنهم ؛ أي: الكفرة؛ كلهم؛ من المصارحين؛ والمنافقين؛ فلن يضروك شيئا ؛ أي: لإعراضك عنهم؛ واستهانتك بهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التخيير غير مراد الظاهر في جواز الحكم بينهم عند الترافع إلينا؛ وعدمه؛ بل معناه عدم المبالاة بهم؛ أعرض عنهم أولا؛ فحقيقته بيان العاقبة على تقديري الفعل؛ والترك؛ علمه كيف يحكم بينهم؛ فقال - عاطفا على ما قدرته -: وإن حكمت ؛ أي: فيهم؛ فاحكم ؛ أي: أوقع الحكم؛ بينهم بالقسط ؛ أي: العدل؛ الذي أراكه الله - على أن [ ص: 143 ] الآية ليست في أهل الذمة؛ والحكم في ترافع الكفار إلينا أنه إن كان منهم أو من أحدهم التزام لأحكامنا؛ أم منا؛ التزام للذب عنهم وجب؛ لقوله (تعالى): فاحكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم ؛ وإلا لم يجب؛ ثم علل ذلك بقوله: إن الله ؛ أي: الذي له صفات الكمال؛ يحب المقسطين ؛ أي: الفاعلين للعدل السوي؛ من غير حيف أصلا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية