الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 359 ] باب عقل الموالي

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : ولا يعقل الموالي المعتقون عن رجل من الموالي المعتقين وله قرابة تحمل العقل فإن عجزت عن بعض حمل الموالي المعتقون الباقي وإن عجزوا عن بعض ولهم عواقل عقلته عواقلهم فإن عجزوا ولا عواقل لهم عقل ما بقي جماعة المسلمين .

                                                                                                                                            قال الماوردي : العقل يتحمل بالولاء كما يتحمل بالنسب لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : الولاء لحمة كلحمة النسب .

                                                                                                                                            ولأنه لما استحق الميراث بالولاء كاستحقاقه بالنسب وجب أن يتحمل به العقل كما يتحمل بالنسب ، وإذا كان كذلك فالمناسبون من العصبات مقدمون في العقل على الموالي كما يتقدمون عليهم في الميراث ، ويقدم أيضا العصبات على الموالي في العقل والميراث كما يقدم أقرب العصبات على أبعدهم ، فإذا وجد في أقرب العصبات من يتحمل العقل وقف تحملها عليهم ، وخرج من التحمل البعداء من العصبات وشاركوا فيها الأقارب وخرج منها والموالي ، وإن عجز الأقربون عنها تحملها البعداء والموالي من العصبات وشاركوا فيها الأقارب وخرج منها الموالي إذا تحملها جميع العصبات ، وإن عجز جميعهم عنها شركهم فيها الموالي وكانوا أسوة العصبات في تحملها ، فإن عجز عنها العصبات والموالي شركهم فيها عصبات الموالي ثم موالي الموالي ، فإن عجزوا أو عدموا تحمل بيت مال المسلمين ما عجزوا عنه من بقية العقل أو من جميعه إذا عدموا : لأن ولاء الدين يجمع عاقلة المسلمين فكان عقل جنايته عليهم في بيت مالهم عند عدم عصبته كما ورثوه ، وصار ميراثه لبيت مالهم عند عدم عصبته ، فإن لم يكن في بيت مال المسلمين مال كانت الدية أو ما بقي منها دينا ، وفي محله قولان مبنيان على اختلاف قول الشافعي في دية الخطأ هل كان ابتداء وجوبها على الجاني ثم تحملتها العاقلة عنه أو وجبت ابتداء على العاقلة .

                                                                                                                                            فأحد القولين : أنها وجبت ابتداء على الجاني ثم تحملتها العاقلة لوجوبها بالقتل وتحملها بالمواساة فعلى هذا تؤخذ من القاتل لعدم من يتحملها عنه فإن أعسر بها كانت دينا عليه .

                                                                                                                                            [ ص: 360 ] والقول الثاني : أنها وجبت ابتداء على العاقلة ، لأنها لو وجبت على غيرهم لما انتقلت إليهم إلا بعقد أو التزام وهي تلزمهم من غير عقد ولا التزام ، فعلى هذا تكون دينا في بيت المال ولا يرجع بها على الجاني وإن كان موسرا بها لوجوبها على غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية