الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل ( غيب ) بمعجمة ( ما غصب وضمن قيمته ) لمالكه ( ملكه ) عندنا ملكا ( مستندا إلى وقت الغصب ) فتسلم له الأكساب [ ص: 202 ] لا الأولاد ملتقى ( والقول له ) بيمينه لو اختلفا ( في قيمته إن لم يبرهن المالك على الزيادة ) فإن برهن أو برهنا فللمالك ولا تقبل بينة الغاصب لقيامها على نفي الزيادة هو الصحيح زيلعي .

ونقل المصنف عن البحر والجواهر لو قال الغاصب أو المودع المعتدي لا أعرف قيمته لكن علمت أنها أقل مما يقوله فالقول للغاصب بيمينه ويجبر على البيان ، فإن لم يبين حلف على الزيادة فإن نكل لزمته ، ولو حلف المالك أيضا على الزيادة أخذها [ ص: 203 ] ثم إن ظهر المغصوب ، فللغاصب أخذه ودفع قيمته أو رده وأخذ القيمة وهي من خواص كتابنا فلتحفظ ( فإنظهر ) المغصوب ( وهي ) أي قيمته ( أكثر مما ضمن ) أو مثله أو دونه على الأصح عناية فالأولى ترك قوله وهي أكثر ( وقد ضمن بقوله أخذه المالك ورد عوضه أو أمضى ) الضمان ، ولا خيار للغاصب ولو قيمته أقل للزومه بإقراره ذكره الواني نعم متى ملكه بالضمان فله خيار عيب ورؤية مجتبى ( ولو ضمن بقول المالك أو برهانه أو نكول الغاصب فهو له ولا خيار للمالك ) لرضاه حيث ادعى هذا المقدار فقط

التالي السابق


فصل لما ذكر مقدمات الغصب وكيفية ما يوجب الملك للغاصب بالضمان ذكر في هذا الفصل مسائل متفرقة تتصل بمسائل الغصب كما هو دأب المصنفين نهاية ( قوله غيب ) الأولى أن يقول : غاب ليشمل ما إذا كان عبدا فأبق فإنه إذا ضمن قيمته ملكه ، أفاده الطوري وقال يعلم حكم التغييب بالأولى ( قوله وضمن قيمته لمالكه ) أي إن شاء المالك التضمين ، وإلا فله أن يصبر إلى أن يوجد كما في العناية ح ( قوله ملكه عندنا إلخ ) أي خلافا للشافعي لما مر ، أن الغصب محظور فلا يكون سببا للملك كما في المدبر ولنا أنه ملك البدل بكماله والمبدل قابل للنقل من ملك إلى ملك فيملكه دفعا للضرر عنه بخلاف المدبر ; لأنه غير قابل للنقل ابن كمال ( قوله فتسلم له الأكساب لا الأولاد ) تفريع على قوله مستندا ; لأن الملك الثابت بالاستناد ناقص يثبت من وجه دون وجه فلم يظهر أثره في الزيادة المنفصلة كذا في العناية وغاية البيان ، والفرق أن الولد بعد الانفصال غير تبع ، بخلاف الكسب فإنه بدل المنفعة ، فيكون تبعا محضا . أقول : وظاهره أن المراد بالإكساب مطلق الزيادة المتصلة كالحسن والسمن ، وبالولد مطلق الزيادة المنفصلة كالدر والثمر ، فلا تسلم له إذا ملك المغصوب بالضمان يدل عليه ما مر وقول الزيلعي بخلاف الزيادة المتصلة والكسب ; لأنه تبع ولا كذلك المنفصلة بخلاف البيع الموقوف ، أو الذي فيه الخيار حيث [ ص: 202 ] يملك به الزيادة المنفصلة أيضا ; لأنه سبب موضوع للملك فيستند من كل وجه ا هـ تأمل ( قوله والقول له بيمينه ) أي للغاصب لإنكاره الزيادة التي يدعيها المالك بأن يقول ما قيمته إلا عشرة مثلا منية المفتي

( قوله فالمالك ) ; لأنها مثبتة للزيادة قال في النهاية : ولا يشترط في دعوى المالك ذكر أوصاف المغصوب ، بخلاف سائر الدعاوى ، وينبغي أن تحفظ هذه المسألة ا هـ شرنبلالية ( قوله ولا تقبل بينة الغاصب إلخ ) قال في المنح فإن عجز المالك عن إقامة البينة وطلب يمين الغاصب وللغاصب بينة تشهد بقيمة المغصوب لم تقبل ، بل يحلف على دعواه ; لأن بينته تنفي الزيادة والبينة على النفي لا تقبل ، وقال بعض مشايخنا : ينبغي أن تقبل لإسقاط اليمين كالمودع إذا ادعى رد الوديعة فإن القول قوله ، ولو أقام بينة على ذلك قبلت وكان أبو علي النسفي يقول هذه المسألة عدت مشكلة ، ومن المشايخ من فرق بينها وبين مسألة الوديعة ، وهو الصحيح كذا في العناية والنهاية والتبيين ا هـ ( قوله ونقل المصنف إلخ ) نقل المصنف ذلك في منحه عن البحر وجواهر الفتاوى عند قوله أول الغصب ، ولو ادعى الغاصب الهلاك إلخ ثم أعاد النقل عن جواهر الفتاوى هنا ، وقد نقل الشارح المسألة قبيل كتاب الإقرار ، وعزاها لدعوى البحر ونقلها في البحر قبيل قول الكنز ، ولا ترد يمين على مدع وعزاها إلى المحيط عن الإمام محمد ، ونقل عن المحيط أنه قال وهذه من خواص هذا الكتاب وغرائب مسائله ، فيجب حفظها وقد لفق الشارح هذه العبارة من عبارة البحر المنقولة عن المحيط ، ومن عبارة الجواهر على أحسن وجه فإنه في عبارة البحر بين حكم ما إذا حلف الغاصب وسكت عما إذا نكل .

وفي عبارة الجواهر بعكس ذلك وجميع ما ذكره الشارح منقول لم ينفرد بشيء منه سوى حسن التعبير فجزاه الله خيرا ( قوله لو قال الغاصب إلخ ) أي بعد ما بين المالك مقدارا بأن قال قيمته مائة مثلا ( قوله فالقول للغاصب ) اقتصر عليه ; لأن المودع بتعديه صار غاصبا ح ( قوله ويجبر على البيان ) ; لأنه أقر بقيمة مجهولة بحر عن المحيط أي يأمره القاضي بذلك لاحتمال كذبه بقوله لا أعرف قيمته ( قوله فإن لم يبين إلخ ) عبارة البحر فإذا لم يبين يحلف على ما يدعي المغصوب منه في الزيادة ، فإن حلف يحلف المغصوب منه أيضا أن قيمته مائة ويأخذ من الغاصب مائة ا هـ فالمراد بالزيادة ما تضمنتها دعوى المالك التي نفاها الغاصب بقوله : علمت أن قيمته أقل مما يقوله ، والمراد أنه يحلف على نفيها بأن يقول ليست قيمته مائة كما ادعاه المالك ، وقيد بقوله لم يبين عما إذا بين وقال قيمته خمسون مثلا فإن القول له وهي مسألة المتن السابقة فلا يصح أن يكون أصل النسخة فإن بين لاختلاف حكم المسألتين فافهم ( قوله ولو حلف المالك أيضا ) أفاد بلفظ أيضا أن المراد حلف بعد ما حلف الغاصب قال ح لم يظهر وجهه فليراجع ا هـ أي وجه تحليف المالك أيضا .

وأقول وبالله التوفيق : لعل وجهه أن الغاصب لما لم يبين لم يمكن أن يكون القول له بيمينه ، بخلاف مسألة المتن فلم ترتفع دعوى المالك ; لأنها ترتفع لو بين شيئا يصدق فيه باليمين وفائدة تحليفه ، وإن كان لا يرفع دعوى المالك التوصل إلى ثبوتها بنكوله ، فإذا حلف لم تثبت دعوى المالك ، لعدم النكول ولم ترتفع لعدم البيان فبقيت بحالها فاحتاجت إلى التنوير باليمين ، وإن كانت من المدعي لعدم إفادة يمين المدعى عليه ، ونظير ذلك مسائل منها لو اختلف [ ص: 203 ] المتبايعان في قدر الثمن ، أو المبيع تحالفا مع أن أحدهما مدع ، والآخر منكر وهي من مسائل المتون هذا ما ظهر لي وجهد المقل دموعه هذا وذكر البيري في دعوى الأشباه عن التتارخانية أن الحاكم أبا محمد طعن على محمد رحمه الله تعالى بأن اليمين لم تشرع عندنا للمدعي وقال الجواب الصحيح عندي أن يقول القاضي للغاصب بعد ما امتنع عن البيان : أكانت قيمته مائة أكانت خمسين أكانت ثلاثين إلى أن ينتهي إلى أقل ما لا ينقص منه قيمته في العرف والعادة ، فإذا انتهى إلى ذلك لزمه وجعل القول له في الزيادة مع يمينه كالجواب فيما إذا أقر بحق مجهول في عين في يده لغيره يسمي له القاضي السهام حتى ينتهي إلى أقل ما لا يقصدونه بالتمليك عرفا وعادة ويلزمه به ا هـ ملخصا ( قوله ثم إن ظهر إلخ ) لا حاجة إليه مع ما يذكره المصنف بعد ، ; لأن الغاصب ضمن بقول المالك على ما ذكره فلا خيار للمالك ط .

قلت : قصد الشارح ذكر عبارة البحر بتمامها مع أن المصنف لم يصرح ، بخيار الغاصب بل نفى خيار المالك ولا تلازم بينهما على أن في ثبوت الخيار للغاصب في مسألة المتن كلاما سنذكره فافهم ( قوله ودفع قيمته ) أي إن لم يكن دفعها ( قوله وأخذ القيمة ) أي إن كان دفعها ( قوله وهي من خواص كتابنا ) قد ذكرنا سابقا أن ذلك من كلام صاحب المحيط من جملة المنقول قبله ووجه الخصوصية تضمنها ورود اليمين على المدعي ، فإنه لم يشتهر في الكتب فافهم ( قوله على الأصح ) راجع لقوله أو مثله أو دونه ، وهو ظاهر الرواية ، ; لأنه لم يتم رضاه حيث لم يعط ما يدعيه والخيار لفوات الرضا خلافا لقول الكرخي إنه لا خيار له هداية ( قوله فالأولى ترك قوله وهي أكثر ) أو يفعل كما فعل القدوري وصاحب الكنز والملتقى حيث قدموا ذكر المسألة الثانية على الأولى ، وجعل بعض الشراح ذلك قيدا للسابقة فقط ، ولكن الأولى كما قال الشارح تبعا للقهستاني فإنه ليس قيدا فيهما ( قوله وقد ضمن بقوله ) أي الغاصب مع يمينه ( قوله أخذه المالك ) وللغاصب حبسه حتى يأخذ ما دفعه زيلعي ( قوله ولا خيار للغاصب إلخ ) فيه رد على ما بحثه في اليعقوبية بأنه على التعليل بعدم رضا المالك ينبغي ثبوت الخيار للغاصب لو قيمته أقل لعدم رضاه أيضا ولذا قال ولو قيمته أقل فافهم ( قوله للزومه بإقراره ) أقول : ولأنه ظالم بغصبه وتغييبه ، ولأن تمام ملكه كان متوقفا على رضا المغصوب منه وقد وجد تأمل . ( قوله أو نكول الغاصب ) أي عن الحلف بأن القيمة ليست كما يدعي المالك شرنبلالية ( قوله فهو له ولا خيار للمالك ) وكذا لا خيار للغاصب لرضاه حيث أقدم على الغصب رحمتي وذكر ط أن له الخيار أخذا من قوله في الأولى ، ولا خيار للغاصب بطريق الإشارة ا هـ .

وأقول : قد راجعت كثيرا فلم أظفر بصريح النقل في ذلك ، والذي يقتضيه النظر ما قاله الرحمتي ، فإن الغاصب ظالم بالغصب وبالتغييب عن المالك فإصراره على ذلك دليل الرضا وحيث كان ظالما لا يراعى جانبه يدل عليه اقتصارهم على بيان الخيار في المسألتين من جانب المالك فقط لكونه مظلوما ولذا قال الأتقاني في تعليل خيار المالك في الأولى ; لأنه كالمكره على نقل حقه من العين إلى بدل لم يرض به والمكره يثبت له الخيار في الفسخ ا هـ . [ ص: 204 ] وقول المصنف كغيره فهو له ظاهر في عدم الخيار له ; لأن ملكه كان موقوفا على رضا المالك وقد وجد ، ولا سيما فيما إذا نكل فإن النكول إقرار : وأما ثبوت الخيار له في المسألة السابقة عن البحر والجواهر فلا يدل على ثبوته هنا ، لاختلاف موضوعهما ولأنه ظهر صدقه في يمينه الذي حلفه ولم يرض بقول المالك ولم يقم عليه برهان ولم ينكل عن اليمين بخلاف هذه المسألة في جميع ما ذكر وبالجملة فإثبات الخيار له حكم شرعي يحتاج للنقل فليراجع




الخدمات العلمية