الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين

فمن الحوادث فيها:

فتح إصطخر [وتوج]:

قال أبو معشر : كانت فارس الأولى ، وإصطخر الآخرة سنة ثلاث وعشرين ، وكانت فارس الآخرة سنة تسع وعشرين . وفي سنة ثلاث وعشرين وقعة فسا ودارابجرد .

[أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا: أخبرنا ابن النقور قال: أخبرنا المخلص ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا السري بن يحيى قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف ] عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو ، قالوا: قصد سارية بن زنيم فسا ودارابجرد فحاصرهم ، فتجمعت إليه أكراد فارس ، فدهم المسلمين أمر عظيم ، ورأى عمر في ليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في ساعة من النهار ، فنادى من الغد: الصلاة جامعة . حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم ، وكان أريهم [والمسلمون] بصحراء ، إن أقاموا بها أحيط بهم ، وإن أرزوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد ، فقام فقال: أيها الناس ، إني أريت هذين [ ص: 325 ] الجمعين -وأخبر بحالهما- ثم قال: يا سارية ، الجبل [الجبل] . ففعلوا ، وقاتلوا القوم من وجه واحد ، فهزمهم الله عز وجل ، وكتبوا بذلك إلى عمر .

[وحدثنا سيف ، عن أبي عمر دثار بن أبي شبيب ، عن عثمان] وأبي عمرو بن العلاء ، عن رجل من بني مازن قال: كان عمر قد بعث سارية بن زنيم إلى فسا ودارابجرد ، فحاصرهم ، ثم إنهم تداعوا فأصحروا وأتوه من كل جانب ، فقال عمر وهو يخطب في يوم جمعة: يا سارية بن زنيم ، الجبل الجبل . ولما كان ذلك اليوم [و] إلى جنب المسلمين جبل ، إن لجئوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه [واحد] ، فلجئوا إلى الجبل ، ثم قاتلوهم فهزموهم ، وأصاب مغانمهم ، وأصاب في المغانم سفطا فيه جوهر ، فاستوهبه من المسلمين لعمر ، فوهبوه له ، فبعث به [مع] رجل ، وبالفتح .

وكان الرسل والوفد يجازون وتقضى لهم حوائجهم . فقال له سارية: استقرض ما تبلغ به وتخلفه لأهلك على جائزتك . ففعل ، ثم خرج فقدم على عمر ، فوجده يطعم لناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره ، فقال: اجلس . فجلس حتى إذا أكل [القوم] انصرف عمر ، وقام فاتبعه ، فظن عمر أنه لم يشبع ، فقال حين انتهى إلى باب داره: ادخل . فلما جلس في البيت أتى بغدائه: خبز وزيت وملح جريش: فوضع فقال: ألا تخرجين يا هذه فتأكلين؟ قالت: [إني] لأسمع حس رجل ، فقال: أجل . فقالت:

لو أردت [أن] أبرز [للرجال] لاشتريت لي غير هذه الكسوة . فقال: أو ما ترضين أن يقال: أم كلثوم بنت علي وامرأة عمر! فقالت: ما أقل غناء ذلك عني! ثم قال للرجل: [ ص: 326 ]

ادن فكل . فلما أكلا وفرغا قال: أنا رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين . قال: مرحبا وأهلا . فأدناه حتى مست ركبته ركبته ثم سأله عن [المسلمين ، ثم سأله عن] سارية بن زنيم ، فأخبره بقصة الدرج ، فنظر إليه ثم صاح به: لا ، ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجند فتقسمه بينهم . فطرده . فقال: يا أمير المؤمنين ، إني قد أنضيت إبلي ، واستقرضت على جائزتي ، فأعطني ما أتبلغ به ، فما زال [به] حتى أبدله بعيرا ببعيره من إبل الصدقة ، وأخذ بعيره فأدخله في إبل الصدقة ، ورجع الرسول محروما حتى دخل البصرة ، قد سأله أهل المدينة عن سارية ، وعن الفتح ، وهل سمعوا شيئا يوم الوقعة؟ فقال: نعم ، سمعنا "يا سارية الجبل" وقد كدنا نهلك فألجأنا إليه ، ففتح الله علينا .

[أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر قال:] حدثني أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه [ وأبي سليمان ، عن يعقوب قالا]: خرج عمر بن الخطاب يوم الجمعة إلى الصلاة ، فصعد إلى المنبر ، ثم صاح: يا سارية بن زنيم ، الجبل . يا سارية بن زنيم ، الجبل ، ظلم من استرعى الذئب الغنم . ثم خطب حتى فرغ فجاء كتاب سارية بن زنيم إلى عمر أن الله فتح علينا يوم الجمعة لساعة كذا وكذا -لتلك الساعة التي خرج فيها عمر ، فتكلم على المنبر- قال سارية: سمعت صوتا "يا سارية بن زنيم الجبل ، ظلم من استرعى الذئب الغنم" ، فعلوت بأصحابي الجبل ، ونحن قبل ذلك في بطن وادي ونحن محاصرو العدو ، وفتح الله علينا . فقيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما ذلك الكلام؟ فقال: والله ما ألقيت له إلا بشيء أتى على لساني .

التالي السابق


الخدمات العلمية