الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  153 باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب فيه بيان حكم مس الذكر باليمين وقت البول ، وباب منون غير مضاف ، ووجه المناسبة بين البابين ظاهر ، وقال بعضهم : أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين ، كما في الباب الذي قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا . قلت : هذا كلام فيه خباط ; لأن الحاصل من معنى الحديثين واحد ، وكلاهما مقيد ، أما الأول : فلأن إتيان الخلاء في قوله : « إذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه " كناية عن التبول ، والمعنى إذا بال أحدكم فلا يمس [ ص: 297 ] ذكره بيمينه والجزاء قيد الشرط ، وأما الثاني : فهو صريح بالقيد ، وكلاهما واحد في الحقيقة ، فكيف يقول هذا القائل أن ذلك المطلق محمول على المقيد والمفهوم منهما جميعا النهي عن مس الذكر باليمين عند البول ، فلا يدل على منعه عند غير البول ، ولا سيما جاء في الحديث ما يدل على الإباحة ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام لطلق بن علي حين سأله عن مس الذكر : "إنما هو بضعة منك" ، فهذا يدل على الجواز في كل حال ، ولكن خرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح ، وما عدا ذلك فقد بقي على الإباحة فافهم .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : فما فائدة تخصيص النهي بحالة البول . قلت : ما قرب من الشيء يأخذ حكمه ، ولما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسما للمادة .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : إذا كان الأمر على ما ذكرت من الرد على القائل المذكور فما فائدة ترجمة البخاري بالحديث في بابين ، ولم يكتف بباب واحد ؟ قلت : فائدته من وجوه ; الأول : التنبيه على اختلاف الإسناد ، الثاني : التنبيه على الاختلاف الواقع في لفظ المتن ; فإن في السند الأول "إذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه" ، وفي الإسناد الثاني "إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه" ولا يخفى التفاوت الذي بين إذا أتى الخلاء وبين إذا بال وبين فلا يمس ذكره وفلا يأخذن ذكره أيضا ، ففي الحديث الأول : ولا يتمسح بيمينه ، وفي هذا الحديث : ولا يستنجي بيمينه ، وهذا يفسر ذاك فافهم ، الثالث : أنه عقد الباب الأول على الحكم الثالث من الحديث ، وهو كراهة الاستنجاء باليمين ، وعقد هذا الباب على الحكم الأول ، وهو كراهة مس الذكر عند البول ، ومن أبين الدلائل على هذا الوجه أنه عقد بابا آخر في الأشربة على الحكم الأول ، وهو كراهة التنفس في الإناء .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية