الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر خروجه إلى ذي القصة حين عقد ألوية الأمراء الأحد عشر على ما سيأتي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذلك بعد ما جم جيش أسامة واستراحوا ، ركب الصديق أيضا في الجيوش الإسلامية شاهرا سيفه مسلولا ، من المدينة إلى ذي القصة ، وهي من المدينة على مرحلة ، وعلي بن أبي طالب يقود براحلة الصديق ، رضي الله عنهما ، كما سيأتي ، فسأله الصحابة ، منهم علي وغيره ، وألحوا عليه أن يرجع إلى المدينة ، وأن يبعث لقتال الأعراب غيره ممن يؤمره من الشجعان الأبطال ، فأجابهم إلى ذلك ، وعقد لهم الألوية الأحد عشر لأحد عشر أميرا ، على ما سنفصله قريبا [ ص: 446 ] إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى الدارقطني من حديث عبد الوهاب بن موسى الزهري ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر قال : لما برز أبو بكر إلى ذي القصة واستوى على راحلته ، أخذ علي بن أبي طالب بزمامها وقال : إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد " شم سيفك ، ولا تفجعنا بنفسك " . وارجع إلى المدينة ، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا . فرجع . هذا حديث غريب من طريق مالك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواه زكريا الساجي من حديث عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أيضا ، عن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : خرج أبي شاهرا سيفه راكبا على راحلته إلى وادي القصة ، فجاء علي بن أبي طالب فأخذ بزمام راحلته فقال : إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : " شم سيفك ، ولا تفجعنا بنفسك " . فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا . فرجع وأمضى الجيش .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال سيف بن عمر عن سهل بن يوسف ، عن القاسم بن محمد : لما [ ص: 447 ] استراح أسامة وجنده ، وقد جاءت صدقات كثيرة تفضل عنهم ، قطع أبو بكر البعوث ، وعقد الألوية ، فعقد أحد عشر لواء ; عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد ، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له ، ولعكرمة بن أبي جهل ، وأمره بمسيلمة ، وبعث شرحبيل ابن حسنة في أثره إلى مسيلمة الكذاب ، ثم إلى بني قضاعة . وللمهاجر بن أبي أمية ، وأمره بجنود العنسي ، ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح - قلت : وذلك لأنه كان قد نزع يده من الطاعة ، على ما سيأتي - قال : ولخالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام . ولعمرو بن العاص إلى جماع قضاعة ووديعة والحارث . ولحذيفة بن محصن الغطفاني ، وأمره بأهل دبا . ولعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة . ولطريفة بن حاجز ، وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن . ولسويد بن مقرن ، وأمره بتهامة اليمن . وللعلاء بن الحضرمي ، وأمره بالبحرين . رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كتب لكل أمير كتاب عهده على حدته ، ففصل كل أمير بجنده من ذي القصة ، ورجع الصديق إلى المدينة ، وقد كتب معهم الصديق كتابا إلى المرتدة ، وهذه نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم ، من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة ، أقام على إسلامه أو رجع [ ص: 448 ] عنه ، سلام على من اتبع الهدى ، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والهوى ، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، نقر بما جاء به ، ونكفر من أبى ذلك ونجاهده ، أما بعد ، فإن الله أرسل محمدا بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ، فهدى الله بالحق من أجاب إليه ، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدبر عنه ، حتى صار إلى الإسلام طوعا وكرها ، ثم توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد نفذ لأمر الله ، ونصح لأمته ، وقضى الذي عليه ، وكان الله قد بين له ذلك ، ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل فقال : إنك ميت وإنهم ميتون [ الزمر : 30 ] . وقال : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون [ الأنبياء : 34 ] . وقال للمؤمنين : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين [ آل عمران : 144 ] . فمن كان إنما يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، حافظ لأمره ، منتقم من عدوه ، وإني أوصيكم بتقوى الله ، وحظكم ونصيبكم من الله ، وما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وأن تهتدوا بهداه ، وأن تعتصموا بدين الله ، فإن كل من لم يهده الله ضال ، وكل من لم يعافه [ ص: 449 ] مبتلى ، وكل من لم يعنه الله مخذول ، ومن هداه الله كان مهتديا ، ومن أضله كان ضالا ، قال الله تعالى من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ الكهف : 17 ] . ولم يقبل منه في الدنيا عمل حتى يقر به ، ولم يقبل له في الآخرة صرف ولا عدل ، وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام ، وعمل به ; اغترارا بالله وجهلا بأمره ، وإجابة للشيطان ، قال الله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا [ الكهف : 50 ] . وقال : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير [ فاطر : 6 ] . وإني بعثت إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار ، والتابعين بإحسان ، وأمرته أن لا يقبل من أحد إلا الإيمان بالله ، ولا يقتله حتى يدعوه إلى الله ، عز وجل ، فإن أجاب وأقر وعمل صالحا ، قبل منه وأعانه عليه ، وإن أبى ، حاربه عليه حتى يفيء إلى أمر الله ، ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه ، وأن يحرقهم بالنار وأن يقتلهم كل قتلة ، وأن يسبي النساء والذراري ، ولا يقبل من أحد غير الإسلام ، فمن اتبعه فهو خير له ، ومن تركه فلن يعجز الله ، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابه في كل مجمع لكم ، والداعية الأذان ، فإذا أذن المسلمون فكفوا عنهم ، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم ، وإن أذنوا فسلوهم ما عليهم ، فإن أبوا [ ص: 450 ] عاجلوهم ، وإن أقروا قبل منهم وحملهم على ما ينبغي لهم . رواه سيف بن عمر ، عن عبد الله بن سعيد ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية