الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ما تثبت هي فيه أو لا تثبت ( لا تثبت قصدا إلا في عقار ملك بعوض ) خرج الهبة ( هو مال ) خرج المهر ( وإن لم ) يكن ( يقسم ) خلافا للشافعي ( كرحى ) أي بيت الرحى مع الرحى نهاية ( وحمام وبئر ) ونهر ( وبيت صغير ) لا يمكن قسمه ( لا في عرض ) [ ص: 237 ] بالسكون ما ليس بعقار فيكون ما بعده من عطف الخاص على العام ( وفلك ) خلافا لمالك ( وبناء ونخل ) إذا ( بيعا قصدا ) ولو مع حق القرار خلافا لما فهمه ابن الكمال لمخالفته المنقول كما أفاده شيخنا الرملي ( ولا ) في ( إرث وصدقة وهبة لا بعوض ) مشروط ( ودار قسمت ) أو جعلت أجرة أو بدل خلع أو عتق أو صلح عن دم عمد أو مهر ( وإن قوبل ببعضها ) أي الدار ( مال ) لأن معنى البيع تابع فيه ، وأوجباها في حصة المال ( أو ) دار ( بيعت بخيار البائع ولم يسقط خياره ، فإن سقط وجبت إن طلب عند سقوط الخيار ) في الصحيح ، وقيل عند [ ص: 238 ] البيع وصحح ( أو بيعت ) الدار بيعا ( فاسدا ولم يسقط فسخه فإن سقط ) حق فسخه كأن بنى المشتري فيها ( تثبت ) الشفعة كما مر ( أو رد بخيار رؤية أو شرط أو عيب بقضاء ) متعلق بالأخير فقط خلافا لما زعمه المصنف تبعا للدرر ( بعدما سلمت ) أي إذا بيع وسلمت الشفعة ثم رد المبيع بخيار رؤية أو شرط كيفما كان أو بعيب بقضاء فلا شفعة لأنه فسخ لا بيع ( بخلاف الرد ) بعيب بعد القبض ( بلا قضاء أو بإقالة ) فإن له الشفعة ، لأن الرد بعيب بلا قضاء [ ص: 239 ] والإقالة بمنزلة بيع مبتدأ .

التالي السابق


باب ما تثبت هي فيه أو لا ( قوله لا تثبت قصدا إلخ ) قيد به لأنها تثبت في غير العقار تبعا له كالبناء والغرس والثمرة على ما مر وكذا في آلة الحراثة تبعا للأرض كما قدمناه عن شرح المجمع ( قوله ملك ) بالتشديد أو التخفيف صفة عقار ، وسيأتي محترزه وهو ما بيع بخيار للبائع ونحوه ( قوله خرج الهبة ) أي التي لم يشترط فيها العوض ، وهذه المحترزات أتى بها المصنف بعد فالأولى حذفها ط ( قوله وإن لم يكن يقسم ) أدرج لفظ يكن ليفيد أن المراد ليس مما اتصف بكونه يقسم : أي يقبل القسمة ، وليس المراد أن نفي القسمة أعم من كونه قابلا لها أو لا تأمل ( قوله خلافا للشافعي ) لأن من أصله أن الأخذ بالشفعة لدفع ضرر مؤنة القسمة وذا لا يتحقق فيما لا يحتملها . وعندنا لدفع ضرر التأذي بسوء المجاورة على الدوام كفاية ( قوله وحمام ) فيأخذه الشفيع بقدره لأنه من البناء دون القصاع لأنها غير متصلة بالبناء [ ص: 237 ] نهاية ، وفي الطوري عن المحيط : ويدخل في الرحى الحجر الأسفل دون الأعلى ، لأنه مبني بالأرض ( قوله بالسكون ) أي سكون الراء . وفي المغرب : العرض بفتحتين ويجمع على عروض حطام الدنيا ( قوله ما ليس بعقار ) تفسير مراد هنا قال في الصحاح : والعرض بسكون الراء المتاع ، وكل شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير . وقال أبو عبيدة : العروض الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ، ولا تكون حيوانا ولا عقارا

( قوله إذا بيعا قصدا ) أي بيعا قصديا فتثبت الشفعة فيهما بتبعية العقار ، فلو اشترى نخلة بأرضها ففيها الشفعة تبعا للأرض ، بخلاف ما إذا اشترى ليقلعها حيث لا شفعة فيها لأنها نقلية كما في البناء والزرع كما في المحيط قهستاني ( قوله ولو مع حق القرار ) قدمنا الكلام فيه بما لا مزيد عليه ( قوله ولا في إرث ) أي موروث درر لأن الوارث يملك على حكم ملك الميت ولهذا يرد على بائعه بالعيب فكأن ملك الميت لم يزل أتقاني ، فهو أيضا محترز قوله ملك تأمل ( قوله وصدقة وهبة إلخ ) لأنها ليست بمعاوضة مال بمال فصارت كالإرث منح ( قوله لا بعوض مشروط ) قدمنا فائدته ( قوله ودار قسمت ) أي بين الشركاء لأن القسمة فيها معنى الإفراز ولهذا يجري فيها الجبر والشفعة لم تجر إلا في المبادلة المطلقة منح ( قوله أو جعلت أجرة إلخ ) لأنها ثبتت ، بخلاف القياس بالآثار في معاوضة مال بمال مطلق فيقتصر عليها منح ( قوله أو صلح عن دم عمد ) قيد به لما في المبسوط : لو كان عن جناية خطأ تجب الشفعة ، فلو عن جنايتين عمد وخطأ لا شفعة عنده . وعندهما تجب فيما يخص الخطأ ا هـ طوري ، وإن ادعى حقا على إنسان فصالحه على دار للشفيع أخذها سواء كان عن إقرار أو إنكار أو سكوت لزعم المدعي أنها عوض حقه فيؤاخذ بزعمه ، ولو ادعى عليه دارا فصالحه على دراهم ، فإن عن إقرار تجب لزعمه ملكها بعوض لا إن كان عن إنكار لزعمه أنها لم تزل عن ملكه أو سكوت لزعمه أن المعطى لافتداء يمينه كما في درر البحار ( قوله أو مهر ) صوابه أو مهرا بالنصب كما في الغرر عطفا على أجرة ، إذ لو جعلت بدل مهر المثل أو المسمى عند العقد أو بعده تثبت فيه الشفعة لأنه مبادلة مال بمال لأنه بدل عما في ذمته من المهر كما في التبيين وغيره

( قوله وإن قوبل ببعضها مال ) بأن تزوج امرأة على دار على أن ترد عليه ألف درهم فلا شفعة في شيء منها منح ( قوله لأن معنى البيع تابع فيه ) أي في هذا العقد ، لأنه وإن اشتمل على نكاح وبيع لكن المقصود منه النكاح بدليل أنه ينعقد بلفظ النكاح ، ولا شفعة في الأصل فكذا التبع ( قوله بيعت بخيار البائع ) وكذا بخيارهما لأن المبيع لم يخرج عن ملكه بخلاف خيار المشتري وهذا في التي فيها الخيار ، فلو بيعت دار بجنبها والخيار لأحدهما فله الشفعة ، فلو للبائع سقط لإرادته الاستبقاء وكذا المشتري وتصير إجازة بخلاف ما إذا اشتراها ولم يرها فلا يبطل خياره بأخذ ما بيع بجنبها لأن خيار الرؤية لا يبطل بصريح الإبطال فكيف بدلالته ؟ ثم إذا حضر شفيع الأولى له أخذها دون الثانية لانعدام ملكه في الأولى حين بيعت الثانية عناية ملخصا ( قوله في الصحيح ) كذا في الهداية معللا بأن البيع يصير سببا لزوال الملك عند ذلك ، ومثله في الجوهرة والدرر والمنح ، وأقره شراح الهداية . وقال في العناية ومعراج الدراية : وقوله في الصحيح احتراز عن قول بعض المشايخ إنه يشترط الطلب عند وجود البيع لأنه هو السبب ا هـ . [ ص: 238 ] أقول : لكن في الظهيرية قال : يشترط الطلب والإشهاد عند البيع ، حتى لو لم يطلب ولم يشهد عند البيع ثم جاز البيع بالإجازة أو عند مضي مدة الخيار فلا شفعة له في ظاهر الرواية . وقال بعض العلماء : إنما يشترط عند جواز البيع ، وهو رواية عن أبي يوسف ، ونظيره الدار إذا بيعت ولها جار وشريك فالشفعة للشريك لا للجار ، ولكن مع هذا يشترط الطلب من الجار عند البيع ، بخلاف بيع الفضولي فإن الطلب عند إجازة المالك .

والفرق أن البيع بالخيار عقد تام ألا ترى أنه يعمل من غير إجازة أحد ولا كذلك عقد الفضولي ا هـ فليتأمل . وفي القهستاني : يطلب بعد سقوط الخيار ، وقيل عند البيع ، والأول أصح كما في الكافي والثاني الصحيح كما في الهداية ا هـ . والظاهر أن العبارة مقلوبة لأن المصحح في الهداية هو الأول ، فقد ظهر تصحيح كل من القولين ، ولكن إن ثبت أن الثاني ظاهر الرواية لا يعدل عنه ( قوله أو بيعت الدار بيعا فاسدا ) أي لا شفعة فيها أيضا ، أما قبل القبض فلعدم زوال ملك البائع ، وأما بعده فلاحتمال الفسخ ، وفي إثبات الشفعة تقرير للفساد فلا يجوز جوهرة . وفي الكلام تلويح إلى أنه وقع فاسدا ابتداء لأن الفساد إذا كان بعد انعقاده صحيحا فحق الشفعة على حاله ، فإن النصراني لو اشترى من نصراني دارا بخمر فلم يتقابضا حتى أسلما أو أسلم أحدهما أو قبض الدار ولم يقبض الخمر فإنه يفسد البيع وحق الشفعة باق لفساده بعد وقوعه صحيحا عناية ( قوله كأن بنى المشتري فيها ) أو أخرجها عن ملكه بالبيع أو غيره ، فإن باعها فللشفيع أخذها بالبيع الثاني بالثمن أو بالبيع الأول بقيمتها لأنها الواجبة فيه ، وتمامه في التبيين ( قوله كما مر ) أي قبيل الباب ( قوله خلافا لما زعمه المصنف إلخ ) حيث علقه برد .

قال في الشرنبلالية : وهو خطأ في الرد بخيار رؤية أو شرط ، على أن القضاء في الرد بعيب ليس شرطا لإبطال الأخذ بالشفعة مطلقا بل فيما بعد القبض لأنه قبل القبض فسخ من الأصل كما في الكافي وغيره ، وفيما بعد القبض يكون إقالة لعدم القضاء به ، وهي بيع جديد في حق ثالث وهو الشفيع فله الشفعة . قال في الذخيرة : إذا سلم الشفيع الشفعة ثم إن المشتري رد الدار على البائع ، إن كان الرد بسبب هو فسخ من كل وجه نحو الرد بخيار الرؤية أو الشرط وبالعيب قبل القبض بقضاء أو بغير قضاء وبعد القبض بقضاء لا يتجدد للشفيع حق الشفعة ، فإن كان الرد بسبب هو بيع جديد في حق ثالث ، نحو الرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء والرد بحكم الإقالة تتجدد للشفيع الشفعة ا هـ ( قوله بعدما سلمت ) فلو قبله تبقى شفعته مع كل فسخ وبدون فسخ شرنبلالية ( قوله لأنه فسخ ) علة للثلاث ( قوله بعد القبض ) هذا التقييد لصاحب الهداية موافق لما قدمناه آنفا عن الذخيرة . قال الزيلعي : إنما يستقيم على قول محمد لأن بيع العقار عنده قبل القبض لا يجوز كما في المنقول فلا يمكن حمله على البيع ، وأما عندهما فيجوز بيعه قبل القبض فما المانع من حمله على البيع ، أي بالنظر إلى الشفيع ، وتمامه فيه . قال أبو السعود : وتعقبه الشلبي نقلا عن خط قارئ الهداية بأن الرد بالعيب قبل القبض فسخ في حق الكل ، حتى كان له أن يرده على بائعه وإن كان بغير قضاء وصار بمنزلة خيار الشرط والرؤية فبطل بحثه ا هـ . [ ص: 239 ] قوله والإقالة ) بالنصب عطفا على الرد والظرف بعده خبر إن ، وكون الإقالة بمنزلة بيع مبتدإ إذا كانت بلفظ الإقالة فلو بلفظ مفاسخة أو متاركة أو تراد لم تجعل بيعا اتفاقا كما مر في بابها سائحاني




الخدمات العلمية