الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب كراهة الالتفات في الصلاة إلا من حاجة

                                                                                                                                            842 - ( عن أنس قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إياك والالتفات في الصلاة ، فإن الالتفات في الصلاة هلكة ، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة } . رواه الترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            843 - ( وعن عائشة قالت : { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التلفت في الصلاة ، فقال : اختلاس يختلسه الشيطان من العبد } . رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود ) [ ص: 385 ]

                                                                                                                                            844 - ( وعن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه } . رواه أحمد والنسائي وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الثالث في إسناده أبو الأحوص الراوي له عن أبي ذر . قال المنذري : لا يعرف له اسم لم يرو عنه غير الزهري ، وقد صحح له الترمذي وابن حبان وقال ابن عبد البر : هو مولى بني غفار إمام مسجد بني ليث . قال ابن معين : أبو الأحوص الذي حدث عنه الزهري ليس بشيء وليس لقول ابن معين هذا أصل إلا كونه انفرد الزهري بالرواية عنه وقد قيل له : ابن أكيمة لم يرو عنه غير الزهري فقال : يكفيك قول الزهري : حدثني ابن أكيمة فيلزمه مثل هذا في أبي الأحوص لأنه قال في حديث الباب : سمعت أبا الأحوص . وقال أبو أحمد الكرابيسي : ليس بالمتين عندهم

                                                                                                                                            قوله : ( هلكة ) سمى الالتفات هلكة باعتبار كونه سببا لنقصان الثواب الحاصل بالصلاة أو لكونه نوعا من تسويل الشيطان واختلاسه ، فمن استكثر منه كان من المتبعين للشيطان ، واتباع الشيطان هلكة أو لأنه إعراض عن التوجه إلى الله ، والإعراض عنه عز وجل هلكة . وقد أخرج الترمذي من حديث الحارث الأشعري وصححه من حديث طويل { إن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا ، فإن الله تعالى ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت } . ونحوه حديث أبي ذر المذكور في الباب

                                                                                                                                            قوله : ( فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة ) فيه الإذن بالالتفات للحاجة في التطوع والمنع من ذلك في صلاة الفرض . قوله : ( اختلاس يختلسه الشيطان ) الاختلاس أخذ الشيء بسرعة يقال : اختلس الشيء إذا استلبه وفي الحديث : النهي عن الخلسة بفتح الخاء وهو ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن يزكى .

                                                                                                                                            وفي النهاية الاختلاس : افتعال من الخلسة : وهو ما يؤخذ سلبا . وقيل المختلس : الذي يخطف الشيء من غير غلبة ويهرب ، ونسب إلى الشيطان لأنه سبب له لوسوسته به وإطلاق اسم الاختلاس على الالتفات مبالغة

                                                                                                                                            وأحاديث الباب تدل على كراهة الالتفات في الصلاة وهو قول الأكثر

                                                                                                                                            والجمهور على أنها كراهة تنزيه ما لم يبلغ إلى حد استدبار القبلة . والحكمة في التنفير عنه ما فيه من نقص الخشوع والإعراض عن الله تعالى وعدم التصميم على مخالفة وسوسة الشيطان .

                                                                                                                                            845 - ( وعن سهل بن الحنظلية قال : ثوب بالصلاة : يعني صلاة الصبح فجعل [ ص: 386 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب . رواه أبو داود قال : وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس ) الحديث أخرجه أيضا الحاكم وقال : على شرط الشيخين وحسنه الحازمي وأخرج الحازمي في الاعتبار عن ابن عباس أنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت في صلاته يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره } قال : هذا حديث غريب تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلا ، وأرسله غيره عن عكرمة

                                                                                                                                            قال : وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا وقال : لا بأس بالالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة ، ثم ساق الحازمي حديث الباب بإسناده وجزم بعد المناقضة بين حديث الباب وحديث ابن عباس ، قال : لاحتمال أن الشعب كان في جهة القبلة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلتفت إليه ولا يلوي عنقه

                                                                                                                                            واستدل على نسخ الالتفات بحديث رواه بإسناده إلى ابن سيرين قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة نظر هكذا وهكذا ، فلما نزل : { قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون } نظر هكذا } قال ابن شهاب : ببصره نحو الأرض ، قال : وهذا وإن كان مرسلا فله شواهد . واستدل أيضا بقول أبي هريرة : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء ، } فنزل : { الذين هم في صلاتهم خاشعون }




                                                                                                                                            الخدمات العلمية