الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وكتب إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية : ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم القبط ( ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) ) [ آل عمران 64 ] .

وبعث به مع حاطب بن أبي بلتعة فلما دخل عليه قال له : إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فانتقم به ثم انتقم منه ، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك . فقال : إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه ، فقال حاطب : ندعوك إلى دين الله ، وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه ، إن هذا النبي دعا الناس ، فكان أشدهم عليه قريش ، وأعداهم له اليهود ، وأقربهم منه النصارى ، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد ، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدرك قوما فهم من [ ص: 604 ] أمته ، فالحق عليهم أن يطيعوه وأنت ممن أدركه هذا النبي ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ، ولكنا نأمرك به . فقال المقوقس : إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ، ولا ينهى عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ، ولا الكاهن الكاذب ، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء ، والإخبار بالنجوى ، وسأنظر . وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له ، ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك ، أما بعد : فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه ، وقد علمت أن نبيا بقي ، وكنت أظن أنه يخرج بالشام ، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم ، وبكسوة ، وأهديت إليك بغلة لتركبها ، والسلام عليك . ولم يزد على هذا ، ولم يسلم ، والجاريتان مارية وسيرين والبغلة دلدل بقيت إلى زمن معاوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية