الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ذكر البيان بأن أبا ذر كان من المهاجرين الأولين

                                                                                                                          7133 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ، وعدة ، قالوا : حدثنا هدبة بن خالد القيسي حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت قال : [ ص: 78 ] قال أبو ذر : خرجنا في قومنا غفار ، وكانوا يحلون الشهر الحرام ، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا ، فنزلنا على خال لنا ، فأكرمنا خالنا ، وأحسن إلينا ، فحسدنا قومه ، فقالوا : إنك إذا خرجت عن أهلك خالفك إليهم أنيس ، فجاء خالنا فذكر الذي قيل له ، فقلت : أما ما مضى من معروفك ، فقد كدرته ولا حاجة لنا فيما بعد ، قال : فقدمنا صرمتنا فاحتملنا عليها ، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة .

                                                                                                                          قال : وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قلت : لمن ؟ قال : لله ، قلت : فأين توجه ؟ قال : أتوجه حيث يوجهني ربي ، أصلي عشيا حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت حتى تعلوني الشمس .

                                                                                                                          قال أنيس : إن لي حاجة بمكة ، فانطلق أنيس حتى أتى مكة قال : ثم جاء ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله قال : قلت : فما يقول الناس ؟ قال : يقولون شاعر كاهن ساحر ، قال : فكان أنيس أحد الشعراء .

                                                                                                                          قال أنيس : لقد سمعت قول الكهنة ، وما هو بقولهم ، ولقد [ ص: 79 ] وضعت قوله على أقراء الشعر ، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر ، والله إنه لصادق ، وإنهم لكاذبون .

                                                                                                                          قال : قلت : فاكفني حتى أذهب فأنظر ، فأتيت مكة ، فتضيفت رجلا منهم ، فقلت : أين هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ قال : فأشار إلي ، وقال : الصابئ ، قال : فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي ، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر ، فأتيت زمزم ، فغسلت عني الدماء وشربت من مائها ، وقد لبثت ما بين ثلاثين من ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع .

                                                                                                                          [ ص: 80 ] قال : فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أسمختهم ، فما يطوف بالبيت أحد ، وامرأتان منهم تدعوان إسافا ، ونائلة ، قال : فأتتا علي في طوافهما ، فقلت : أنكحا أحدهما الآخر ، قال : فما تناهتا عن قولهما فأتتا علي ، فقلت : هن مثل الخشبة ، فرجعتا تقولان : لو كان هاهنا أحد ، فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان ، فقال : ما لكما ؟ قالتا : الصابئ بين الكعبة وأستارها ، قالا : ما قال لكما ؟ قالتا : إنه قال لنا كلمة تملأ الفم .

                                                                                                                          [ ص: 81 ] قال : وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر ، ثم طاف بالبيت هو وصاحبه ، ثم صلى ، فقال أبو ذر : فكنت أول من حياه بتحية الإسلام قال : وعليك ورحمة الله ، ثم قال : ممن أنت ؟ فقلت : من غفار ، قال : فأهوى بيده ، ووضع أصابعه على جبهته ، فقلت في نفسي : كره أني انتميت إلى غفار ، قال : ثم رفع رأسه ، وقال : مذ متى كنت هاهنا ؟ قال : كنت هاهنا من ثلاثين بين يوم وليلة ، قال : فمن كان يطعمك ؟ قلت : ما كان لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها مباركة إنها طعام طعم ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ائذن لي في طعامه الليلة ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فانطلقت معهما ، ففتح أبو بكر بابا ، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف ، فكان ذلك أول طعام أكلته بها ، ثم غبرت ما غبرت ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل ما أراها إلا يثرب ، فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله أن يهديهم بك ويأجرك فيهم .

                                                                                                                          قال : فانطلقت فلقيت أنيسا ، فقال : ما صنعت ؟ قلت : صنعت أني قد أسلمت وصدقت ، قال : ما بي رغبة عن دينك ، فإني قد أسلمت وصدقت ، قال : فأتينا أمنا ، فقالت : ما بي رغبة عن [ ص: 82 ] دينكما ، فإني قد أسلمت وصدقت ، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا فأسلم نصفهم وكان يؤمهم إيماء بن رحضة وكان سيدهم ، وقال نصفهم : إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلمنا ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم نصفهم الباقي وجاءت أسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إخواننا نسلم على الذي أسلموا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله
                                                                                                                          .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية