الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
33 - ذو وذات

بمعنى صاحب ،
ومنه قوله تعالى : ذو العرش المجيد ( البروج : 15 ) وقوله : ذواتا أفنان ( الرحمن : 48 ) ولا يستعمل إلا مضافا ، ولا يضاف إلى صفة ، ولا إلى ضمير .

وإنما وضعت وصلة إلى وصف الأشخاص بالأجناس ، كما أن " الذي " وضعت وصلة إلى وصل المعارف بالجمل ، وسبب ذلك أن الوصف إنما يراد به التوضيح والتخصيص ، والأجناس أعم من الأشخاص فلا يتصور تخصيصها لها ، فإنك إذا قلت : مررت برجل علم أو مال أو فضل ، ونحوه ، لم يعقل ما لم يقصد به المبالغة ، فإذا قلت : بذي علم صح الوصف ، وأفاد التخصيص ، ولذلك كانت الصفة تابعة للموصوف في إعرابه ومعناه .

[ ص: 243 ] وأما قراءة ابن مسعود " وفوق كل ذي عالم عليم " ( يوسف : 76 ) فقيل : العالم هنا مصدر ، كالصالح والباطل ، وكأنه قال : وفوق كل ذي علم ( يوسف : 76 ) فالقراءتان في المعنى سواء . وقيل : " ذي " زائدة . وقيل : من إضافة المسمى إلى الاسم ، أي وفوق كل ذي شخص يسمى عالما ، أو يقال له عالم عليم . ولا يضاف إلى ضمير الأشخاص ، ولهذا لحنوا قول بعضهم : صلى الله على محمد وذويه .

واختلفوا هل تضاف " ذو " إلى ضمير الأجناس ، فمنعه الأكثرون . والظاهر الجواز ، لأن ضمير الجنس هو الجنس في المعنى . كقوله : إنما يعرف الفضل من الناس ذووه

وعن ابن بري أنها تضاف إلى ما يضاف إليه صاحب ، لأنها رديفته ، وأنه لا يمتنع إضافتها للضمير إلا إذا كانت وصلة ، وإلا فلا يمتنع .

وقال المطرزي في المغرب : ذو بمعنى الصاحب تقتضي شيئين : موصوفا ومضافا إليه ، تقول : جاءني رجل ذو مال ، بالواو في الرفع ، وبالألف في النصب ، وبالياء في الجر ، ومنه ذو بطن خارجة ، أي جنينها ، وألقت الدجاجة ذا بطنها ، أي باضت أو سلحت . وتقول للمؤنث : امرأة ذات مال ، وللبنتين ذواتا مال ، وللجماعة ذوات مال .

قال : هذا أصل الكلمة ، ثم اقتطعوا عنها مقتضاها وأجروها مجرى الأسماء التامة المستقلة ، غير المقتضية لما سواها ، فقالوا : ذات متميزة ، وذات قديمة ومحدثة ، ونسبوا إليها كما هي من غير تغيير علامة التأنيث ، فقالوا : الصفات الذاتية واستعملوها استعمال النفس والشيء .

وعن أبي سعيد يعني السيرافي كل شيء ذات ، وكل [ ص: 244 ] ذات شيء ، وحكى صاحب التكملة قول العرب : جعل ما بيننا في ذاته ، وعليه قول أبي تمام :


ويضرب في ذات الإله فيوجع

.

قال شيخنا يعني الزمخشري : إن صح هذا فالكلمة عربية ، وقد استمر المتكلمون في استعمالها ، وأما قوله تعالى : عليم بذات الصدور ( هود : 5 ) وقوله : فلان قليل ذات اليد ، فمن الأول . والمعنى الإقلال لمصاحبة اليد . وقولهم : أصلح الله ذات بينه ، وذو اليد أحق . انتهى .

وقال السهيلي : والإضافة لـ " ذي " أشرف من الإضافة لصاحب ، لأن قولك : " ذو " يضاف إلى التابع ، وصاحب يضاف إلى المتبوع ، تقول : أبو هريرة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تقول : النبي صاحب أبي هريرة إلا على جهة ما ، وأما ذو فإنك تقول فيها : ذو المال ، وذو العرش ، فتجد الاسم الأول متبوعا غير تابع ، ولذلك سميت أقيال حمير بالأذواء ، نحو قولهم : ذو جدن ، وذو يزن وذو عمرو ، وفي الإسلام أيضا ذو [ ص: 245 ] العين وذو الشهادتين ، وذو السماكين ، وذو اليدين ، هذا كله تفخيم للشيء وليس ذلك في لفظة صاحب ، وبني على هذا الفرق أنه سبحانه قال في سورة الأنبياء : وذا النون ( الآية : 87 ) فأضافه إلى النون وهو الحوت ، وقال في سورة القلم : ولا تكن كصاحب الحوت ( الآية : 48 ) قال : والمعنى واحد ، لكن بين اللفظين تفاوت كبير في حسن الإشارة إلى الحالتين ، وتنزيل الكلام في الموضعين ، فإنه حين ذكر في موضع الثناء عليه ( ذا النون ) ولم يقل : ( صاحب النون ) ، لأن الإضافة بذي أشرف من صاحب ، ولفظ النون أشرف من الحوت ، لوجود هذا الاسم في حروف الهجاء أوائل السور ، وليس في اللفظ الآخر ما يشرفه لذلك ، فالتفت إلى تنزيل الكلام في الآيتين يلح لك ما أشرنا إليه في هذا الغرض ، فإن التدبر لإعجاز القرآن واجب ومفترض .

وقوله تعالى : وأصلحوا ذات بينكم ( الأنفال : 1 ) أي الحال بينكم ، وأزيلوا المشاجرة ، وتكون للإرادة والنية كقوله : والله عليم بذات الصدور ( آل عمران : 154 ) أي السرائر .

التالي السابق


الخدمات العلمية