الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ( مسألة ) : فإن قيل قد أخبرنا الله - عز وجل - في كتابه ، وعلى لسان رسوله ، وبما علمنا من صفاته أنه يحب المحسنين ، ويحب المتقين ، ويحب الصابرين ، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ولا يحب الكافرين ، ولا يحب الظالمين ، ولا يرضى لعباده الكفر ، ولا يحب الفساد مع كون ذلك بمشيئته وإرادته ، وأنه لو شاء لم يكن ذلك ، فإنه لا يكون في ملكه ما لا يريد ، فما الجواب ؟ قلنا : إن الإرادة والقضاء والأمر كل منها ينقسم إلى كوني وشرعي ، ولفظ المشيئة لم يرد إلا في الكوني ، كقوله تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) ومثال الإرادة الكونية قوله تعالى : ( وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ) ، وقوله تعالى : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) ، ومثال القضاء الكوني قوله تعالى : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، ومثال الأمر الكوني قوله تعالى : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) ، فهذا القسم من الإرادة والقضاء والأمر هو مشيئته الشاملة ، وقدرته النافذة ، وليس لأحد خروج منها ، ولا محيد عنها ، ولا ملازمة بينها وبين المحبة والرضا ، بل يدخل فيها الكفر والإيمان ، والسيئات والطاعات ، والمحبوب المرضي له والمكروه المبغض ، كل ذلك بمشيئته وقدره ، وخلقه وتكوينه ، ولا سبيل إلى مخالفتها ، ولا يخرج عنها مثقال ذرة .

      ومثال الإرادة الشرعية قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ، وقوله تعالى : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم ) ، وقوله تعالى : ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) ، ومثال القضاء الشرعي قوله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) ، ومثال الأمر الشرعي قوله تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) ، وهذه الإرادة والقضاء والأمر الكوني القدري هو [ ص: 231 ] المستلزم لمحبة الله - تعالى - ورضاه ، فلا يأمر إلا بما يحبه ويرضاه ، ولا ينهى إلا عما يكرهه ويأباه ، ولا ملازمة بين هذا القسم وما قبله إلا في حق المؤمن المطيع ، وأما الكافر فينفرد في حقه الإرادة والقضاء والأمر الكوني القدري ، فالله - سبحانه ، وتعالى - يدعو عباده إلى طاعته ومرضاته وجنته ، ويهدي لذلك من يشاء في الكون والقدر هدايته ، ولهذا قال تعالى : ( والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) ، فعمم الدعوة إلى جنته وهي دار السلام ، وأنه يدعو إلى ذلك جميع عباده ، وهو أعلم بمن يستجيب ممن لا يستجيب ، وخص الهداية بمن يشاء هدايته ، كما قال تعالى : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية