[ ص: 333 ] [ القول في
nindex.php?page=treesubj&link=1709إمامة الكافر ]
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " وإن ائتم بكافر ، ثم علم أعاد ، ولم يكن هذا إسلاما منه وعزر ، ولأن الكافر لا يكون إماما بحال ، والمؤمن يكون إماما في الأحوال الظاهرة " .
قال
الماوردي : هذا صحيح .
nindex.php?page=treesubj&link=1709إذا صلى الكافر إماما ، أو مأموما ، أو منفردا في مسجد ، أو غيره لم يكن ذلك إسلاما منه .
وقال
أبو حنيفة : إن صلى جماعة كان ذلك إسلاما منه إماما كان أو مأموما ، وإن صلى منفردا فإن كان في مسجد كان ذلك إسلاما منه في إحدى الروايتين عنه ، وإن كان في غير مسجد لم يكن ذلك إسلاما منه ، واستدل بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين فجعل عمارة المسجد دلالة على الإيمان ، وليست عمارة المسجد بنيانه ، وإنما عمارته بإقامة الصلاة فيه .
وبرواية
أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921644من استقبل قبلتنا ، وصلى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا وروي "
فهو مسلم له ما لنا ، وعليه ما علينا " ، والمعنى فيهما واحد ، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921646من رأيتموه ملازم المسجد فاشهدوا له بالإيمان ، وبقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921647ألا إني نهيت عن قتل المصلين فلما حقن دمه بالصلاة فيجب أن يحكم بإسلامه ، وبقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921648بين الكفر والإيمان ترك الصلاة قالوا : ولأنها عبادة يختص بها البيت أتى بها على كمالها فوجب أن يحكم بإسلامه قياسا على الأذان لأن من سنته استقبال القبلة ، وقولهم أتى بها على كمالها احترازا من صلاة المنفرد ، لأن الجماعة من كمال الصلاة ، ولا يدخل على قياسهم الحج : لأنهم يجعلونه مسلما ويستدلون به على تقدم إسلامه ، وكذا الصلاة يستدلون بها على تقدم إسلامه .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم [ التوبة : 5 ] .
فرفع حكم الشرك واستباحة القتل بالتوبة ، والصلاة معا ، فاقتضى أن يكون فعل الصلاة وحدها باقيا على حكم الشرك حتى توجد التوبة ، وهي الشهادتين .
[ ص: 334 ] وبقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921649أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإن قالوها عصموا مني دماءهم ، وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله تعالى فجعل الشهادتين علما في تحريم قتالهم وحقن دمائهم دون الصلاة ، وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=921650أن رجلا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل ، فقال : " إذا لم أعدل أنا فمن يعدل ؟ وبعث
أبا بكر ، رضي الله عنه ، وراءه ليقتله ، فوجده يصلي فرجع ، وقال : ما قتلته لأني رأيته يصلي وقد نهيت عن قتل المصلين ، فبعث
عمر ، رضي الله عنه ، وراءه ليقتله ، فرجع كذلك ، فبعث
بعلي وراءه وقال : إنك لن تدركه . فذهب
علي رضي الله عنه ، فلم يجده .
فموضع الدليل هو أن الرجل لو كان مسلما بالصلاة ، وقد أخبره
أبو بكر ، رضي الله عنه ، بصلاته لم يأمر
عمر ،
وعليا ، رضي الله عنهما ، بقتله .
فإن قيل : لعله صلى منفردا فلم يكن ذلك إسلاما منه .
قيل : ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم السؤال عن كيفية صلاته دليل على اتفاق الحكم مع اختلاف الأحوال ، ولأن كل ما لا يكون مسلما بفعله منفردا لا يكون مسلما بفعله جامعا كالمصلي في السفر ، ولأن كل فعل لا يكون كافرا بتركه فلا يحكم بإسلامه عند فعله ، أصله إذا صلى منفردا ، ولأن كل فعل لو فعله منفردا لم يحكم بإسلامه يجب إذا فعله في جماعة ألا يحكم بإسلامه كالجهاد ، ولأنه فرع من فروع الدين فوجب أن لا يستدل به على إسلامه كالزكاة والصيام .
فأما الجواب عن احتجاجهم بقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر [ التوبة : 18 ] فمن وجهين :
أحدهما : أن المراد بالعمارة البناء دون إقامة الصلاة اعتبارا بحقيقة الاسم وعرفه ، كيف وقد قال تعالى فيها :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18وأقام الصلاة وآتى الزكاة [ التوبة : 18 ] . فلو كان المراد بالعمارة إقامة الصلاة لم يعد ذكر الإقامة ثانية .
والجواب الثاني : أن لو سلمنا لهم أن المراد بها إقامة الصلاة لم يكن فيه حجة ، لأنه لم يجعل من عمر مساجد الله مؤمنا بالله ، وإنما قال : المؤمن من يعمر مساجد الله ، فجعل الإيمان دلالة على العمارة ودلالة على الإيمان .
وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : " من استقبل قبلتنا . . . الحديث " فنحن نقول بموجبه ، وإن صلى صلاتنا كان له ما لنا وعليه ما علينا ، غير أن الكافر لا صلاة له : لأن الصلاة لا تصح إلا بعد تقديم الإيمان ، وكذلك الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921647ألا إني نهيت عن قتل المصلين " .
[ ص: 335 ] وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921651فمن رأيتموه يلازم المسجد فاشهدوا له بالإيمان فمتروك الظاهر باتفاق ، لأنه بملازمة المسجد لا يكون مؤمنا .
فإن قالوا : أراد به إذا لازم المسجد مصليا .
قيل لهم : إن أراد به إذا لازم المسجد متشهدا بالشهادتين .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921648بين الكفر والإيمان ترك الصلاة فالمراد به تثبيت حكم تاركها دون فاعلها ، ألا تراه قال بعد ذلك : " فمن تركها فقد كفر " على أن الصلاة لا تصح من الكافر .
وأما قياسهم على الأذان فنبين أولا مذهبنا فيه ، ثم نتكلم عليهم ، فإذا أتى الكافر بالشهادتين وإن قال على وجه الحكاية فلا يختلف أصحابنا أنه لا يحكم بإسلامه ، مثل أن يقول قالوا : لا إله إلا الله
محمد رسول الله ، أو قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله ، وإن قال ابتداء لا على سبيل الحكاية ، كأنه قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله ، فقد اختلف أصحابنا :
فقال بعضهم : لا يكون مسلما حتى يأتي رجلا مسلما بنية الإسلام ، ويأتي بالشهادتين قاصدا بإتيانه إظهار الإسلام ، وأما على غير هذا الوجه فلا يحكم بإسلامه كما لو قال حاكيا . قال
أبو إسحاق وهو الصحيح وعليه المعول في المذهب : أنه يكون مسلما إذا أتى بالشهادتين ، إما في صلاة أو أذان ، بقوله صلى الله عليه وسلم حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فعلى هذا المذهب يصير الأذان أصلا لهم ، والكلام عليهم أن يقال : قوله : عبادة يختص بالبيت أن لا يسلم في الأذان ، لأنه يصير مسلما بالشهادتين في الأذان لا بالأذان ، والإتيان بالشهادتين لا يختص بالبيت ، بل يجوز مستقبلا للبيت ومستدبرا ، وقولهم : " أتى بكماله " ، لا تأثير له في الأصل ، وهو الأذان ، لأنه إذا أتى بالشهادتين في الأذان صار مسلما بالإجماع ، وإن لم يكمل الأذان ، وإذا سقطت هذه الصفة لعدم تأثيرها انتقضت العلة بالمصلي منفردا ، على أن تعليق هذا الحكم على هذه العلة لا يمكن .
لأنهم إن قالوا فوجب أن يكون مسلما لم يصح في الصلاة : لأنه يستدل بها على إسلامه عندهم .
وإن قالوا فوجب أن يستدل بها على إسلامه لم يصح في الأصل ، لأنه بالشهادتين في الأذان يصير مسلما ، على أن المعنى في الشهادتين إنما صار بها مسلما : لأنه لو أتى به منفردا كان مسلما ، ولما تقرر أن الصلاة لما أتى بها منفردا لم يحكم بإسلامه ، على أنها لا تدل على إسلامه ، والله تعالى أعلم .
[ ص: 333 ] [ الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1709إِمَامَةِ الْكَافِرِ ]
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَإِنِ ائْتَمَّ بِكَافِرٍ ، ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا إِسْلَامًا مِنْهُ وَعُزِّرَ ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَكُونُ إِمَامًا بِحَالٍ ، وَالْمُؤْمِنُ يَكُونُ إِمَامًا فِي الْأَحْوَالِ الظَّاهِرَةِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : هَذَا صَحِيحٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=1709إِذَا صَلَّى الْكَافِرُ إِمَامًا ، أَوْ مَأْمُومًا ، أَوْ مُنْفَرِدًا فِي مَسْجِدٍ ، أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ صَلَّى جَمَاعَةً كَانَ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا ، وَإِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ كَانَ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ فَجَعَلَ عِمَارَةَ الْمَسْجِدِ دَلَالَةً عَلَى الْإِيمَانِ ، وَلَيْسَتْ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ بُنْيَانَهُ ، وَإِنَّمَا عِمَارَتُهُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ .
وَبِرِوَايَةِ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921644مَنِ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا ، وَصَلَّى صَلَاتَنَا ، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَلَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا وَرُوِيَ "
فَهُوَ مُسْلِمٌ لَهُ مَا لَنَا ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا " ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921646مَنْ رَأَيْتُمُوهُ مُلَازِمَ الْمَسْجِدِ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ ، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921647أَلَا إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ فَلَمَّا حَقَنَ دَمَهُ بِالصَّلَاةِ فَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ ، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921648بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ قَالُوا : وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا الْبَيْتُ أَتَى بِهَا عَلَى كَمَالِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ قِيَاسًا عَلَى الْأَذَانِ لِأَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ ، وَقَوْلُهُمْ أَتَى بِهَا عَلَى كَمَالِهَا احْتِرَازًا مِنْ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ كَمَالِ الصَّلَاةِ ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى قِيَاسِهِمُ الْحَجُّ : لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَيَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ ، وَكَذَا الصَّلَاةُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ .
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [ التَّوْبَةِ : 5 ] .
فَرَفَعَ حُكْمَ الشِّرْكِ وَاسْتِبَاحَةَ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ ، وَالصَّلَاةِ مَعًا ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَحْدَهَا بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ الشِّرْكِ حَتَّى تُوجَدَ التَّوْبَةُ ، وَهِيَ الشَّهَادَتَيْنِ .
[ ص: 334 ] وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921649أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنْ قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَجَعَلَ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَمًا فِي تَحْرِيمِ قِتَالِهِمْ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ دُونَ الصَّلَاةِ ، وَرُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=921650أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ ، فَقَالَ : " إِذَا لَمْ أَعْدِلْ أَنَا فَمَنْ يَعْدِلُ ؟ وَبَعَثَ
أَبَا بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَرَاءَهُ لِيَقْتُلَهُ ، فَوَجَدَهُ يُصَلِّي فَرَجَعَ ، وَقَالَ : مَا قَتَلْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي وَقَدْ نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ ، فَبَعَثَ
عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَرَاءَهُ لِيَقْتُلَهُ ، فَرَجَعَ كَذَلِكَ ، فَبَعَثَ
بِعَلِيٍّ وَرَاءَهُ وَقَالَ : إِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَهُ . فَذَهَبَ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَمْ يَجِدْهُ .
فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ ، وَقَدْ أَخْبَرَهُ
أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، بِصَلَاتِهِ لَمْ يَأْمُرْ
عُمَرَ ،
وَعَلِيًّا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، بِقَتْلِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَعَلَّهُ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ .
قِيلَ : تَرْكُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّؤَالَ عَنْ كَيْفِيَّةِ صَلَاتِهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّفَاقِ الْحُكْمِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِفِعْلِهِ مُنْفَرِدًا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِفِعْلِهِ جَامِعًا كَالْمُصَلِّي فِي السَّفَرِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَا يَكُونُ كَافِرًا بِتَرْكِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَ فِعْلِهِ ، أَصْلُهُ إِذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا ، وَلِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ مُنْفَرِدًا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ يَجِبُ إِذَا فَعَلَهُ فِي جَمَاعَةٍ أَلَّا يُحْكَمَ بِإِسْلَامِهِ كَالْجِهَادِ ، وَلِأَنَّهُ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إِسْلَامِهِ كَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [ التَّوْبَةِ : 18 ] فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِمَارَةِ الْبِنَاءُ دُونَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ الِاسْمِ وَعُرْفِهِ ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ [ التَّوْبَةِ : 18 ] . فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعِمَارَةِ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعِدْ ذِكْرَ الْإِقَامَةِ ثَانِيَةً .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنْ لَوْ سَلَّمْنَا لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا إِقَامَةُ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ مَنْ عَمَّرَ مَسَاجِدَ اللَّهِ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ : الْمُؤْمِنُ مَنْ يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ ، فَجَعَلَ الْإِيمَانَ دَلَالَةً عَلَى الْعِمَارَةِ وَدَلَالَةً عَلَى الْإِيمَانِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنِ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا . . . الْحَدِيثَ " فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ ، وَإِنْ صَلَّى صَلَاتَنَا كَانَ لَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا ، غَيْرَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا صَلَاةَ لَهُ : لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ تَقْدِيمِ الْإِيمَانِ ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921647أَلَا إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ " .
[ ص: 335 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921651فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ يُلَازِمُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ فَمَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِاتِّفَاقٍ ، لِأَنَّهُ بِمُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا .
فَإِنْ قَالُوا : أَرَادَ بِهِ إِذَا لَازَمَ الْمَسْجِدَ مُصَلِّيًا .
قِيلَ لَهُمْ : إِنْ أَرَادَ بِهِ إِذَا لَازَمَ الْمَسْجِدَ مُتَشَهِّدًا بِالشَّهَادَتَيْنِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921648بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَالْمُرَادُ بِهِ تَثْبِيتُ حُكْمِ تَارِكِهَا دُونَ فَاعِلِهَا ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : " فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ مِنَ الْكَافِرِ .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْأَذَانِ فَنُبَيِّنُ أَوَّلًا مَذْهَبَنَا فِيهِ ، ثُمَّ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا أَتَى الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ قَالُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، أَوْ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِنْ قَالَ ابْتِدَاءً لَا عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا :
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى يَأْتِيَ رَجُلًا مُسْلِمًا بِنِيَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَيَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ قَاصِدًا بِإِتْيَانِهِ إِظْهَارَ الْإِسْلَامِ ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَمَا لَوْ قَالَ حَاكِيًا . قَالَ
أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فِي الْمَذْهَبِ : أَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ، إِمَّا فِي صَلَاةٍ أَوْ أَذَانٍ ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَصِيرُ الْأَذَانُ أَصْلًا لَهُمْ ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُهُ : عِبَادَةٌ يَخْتَصُّ بِالْبَيْتِ أَنْ لَا يُسْلِمَ فِي الْأَذَانِ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالشَّهَادَتَيْنِ فَيَ الْأَذَانِ لَا بِالْأَذَانِ ، وَالْإِتْيَانُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْتِ ، بَلْ يَجُوزُ مُسْتَقْبِلًا لِلْبَيْتِ وَمُسْتَدْبِرًا ، وَقَوْلُهُمْ : " أَتَى بِكَمَالِهِ " ، لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ ، وَهُوَ الْأَذَانُ ، لِأَنَّهُ إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَذَانِ صَارَ مُسْلِمًا بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلِ الْأَذَانَ ، وَإِذَا سَقَطَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهَا انْتَقَضَتِ الْعِلَّةُ بِالْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا ، عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ لَا يُمْكِنُ .
لِأَنَّهُمْ إِنْ قَالُوا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا لَمْ يَصِحَّ فِي الصَّلَاةِ : لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى إِسْلَامِهِ عِنْدَهُمْ .
وَإِنْ قَالُوا فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى إِسْلَامِهِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصْلِ ، لِأَنَّهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَذَانِ يَصِيرُ مُسْلِمًا ، عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي الشَّهَادَتَيْنِ إِنَّمَا صَارَ بِهَا مُسْلِمًا : لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ مُنْفَرِدًا كَانَ مُسْلِمًا ، وَلَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا أَتَى بِهَا مُنْفَرِدًا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ ، عَلَى أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى إِسْلَامِهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .