الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1302 [ ص: 282 ] حديث رابع لنافع عن ابن عمر

مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع .

التالي السابق


قال أبو عمر : ( لم يختلف عن نافع في رفع هذا الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلف نافع ، وسالم في رفع من باع عبدا وله مال ، فماله للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع وهو ) ( أحد الأحاديث الثلاثة التي رفعها سالم ، وخالفه فيها نافع عن ابن عمر قال علي ابن المديني : والقول فيها قول سالم ، وقد توبع سالم على ذلك ) .

[ ص: 283 ] أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت الصيدلاني ببغداد قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا علي ابن المديني قال : خالف سالما نافع في ثلاثة أحاديث رفعها سالم ، وروى نافع منها اثنين عن ابن عمر عن عمر ، والثالث عن ابن عمر عن كعب أحدها : من باع عبدا وله مال : الحديث رواه سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه نافع عن ابن عمر عن عمر قوله كذلك رواه مالك ، وعبيد الله بن عمر ، ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر لم يتجاوزه ، وقد روي عن أيوب كما رواه مالك سواء . والثاني : والناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة رواه سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك روى الزهري هذا الحديث ، والذي قبله عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه ابن عجلان ، وغيره عن نافع عن ابن عمر قال : قال عمر : الناس كإبل مائة لا توجد فيها راحلة ، والثالث : حديث يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو قلابة عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة النار أنها تخرج فتحشر الناس ، ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن كعب قال : تخرج نار ، الحديث .

[ ص: 284 ] قال أبو عمر : قد روي حديث من باع عبدا وله مال فماله للبائع الحديث عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح ذلك عند أهل العلم بالحديث ، وإنما هو لنافع عن ابن عمر عن عمر قوله كذلك رواه الحفاظ من أصحاب نافع منهم مالك ، وعبيد الله بن عمر . حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من باع نخلا قد أبرها فإن ثمرها للذي باعها إلا أن يشترط المشتري .

قال : وقال عمر : من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المشتري ، وكذلك رواه ابن عمر و عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر الحديثين قصة النخل مرفوعة ، وقصة العبد من قول عمر : حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، والحسين بن جعفر قالا : حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 285 ] قال : أيما امرئ أبر نخلا ، ثم باع أصلها فللذي أبر ثمر النخل إلا أن يشترط المبتاع ، وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر ( بن عبد الرزاق ) قال : حدثنا أبو داود ( قال : ) : حدثنا أحمد بن حنبل عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع وكذلك رواية عبد الله بن دينار عن أبي عمر في قصة النخل ، وقصة العبد جميعا مرفوعان كما روى ذلك سالم سواء ، وهو الصواب ، والله أعلم .

وقرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ، ومن باع عبدا وله مال فالمال للبائع إلا أن يشترط المبتاع .

[ ص: 286 ] وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن الجهم قال : حدثنا عبد الوهاب قال : سئل سعيد عن الرجل يبيع النخل أو المملوك فأخبرنا عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما رجل باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع .

قال أبو عمر : هكذا يقول جماعة الحفاظ في حديث ابن عمر هذا في قصة النخل ، وفي قصة العبد أيضا ( يشترط ) بلا هاء لا يقولون يشترطها في النخل ، ولا يشترطه في العبد ، ومعلوم أن الهاء لو وردت في هذين الحديثين لكانت ضميرا في يشترطها عائدا على ثمرة النخل ، وفي يشترطه ضميرا عائدا على مال العبد ، فكأنه قال إلا أن يشترط المبتاع شيئا من ذلك ، وفي سقوط الهاء من ذلك دليل على صحة ما ذهب إليه أشهب في قوله جائز لمن ابتاع نخلا قد أبرت أن يشترط من الثمرة نصفها أو جزءا منها ، وكذلك في مال العبد جائز أن يشترط نصفه أو يشترط منه ما شاء ; لأن ما جاز اشتراط جميعه جاز اشتراط بعضه ، وما لم يدخل الربا في جميعه فأحرى أن لا يدخل في بعضه ، هذا قول جمهور الفقهاء في ذلك ، وكل على أصله ما سنوضحه إن شاء الله .

[ ص: 287 ] وقال ابن القاسم : لا يجوز لمبتاع النخل المؤبر أن يشترط منها جزءا ، وإنما له أن يشترط جميعها أو لا يشترط شيئا منها ، وجملة قول مالك ومذهب ابن القاسم فيمن باع حائطا من أصله ، وفيه ثمرة تؤبر ، فثمره للمشتري وإن لم يشترطه ، وإن كانت الثمرة قد أبرت فثمره للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإن لم يشترطه المبتاع ، ثم أراد شراء قبل بدو صلاحه من بعد شراء الأصل بلا ثمره فجائز له ذلك خاصة ; لأنه كان يجوز شراؤها مع الأصل قبل بدو صلاحها ، ولا يجوز ذلك لغيره .

وقال ابن المواز : اختلف قول مالك في شراء الثمرة بعد شراء الأصول ، وقد أبرت الثمرة فقال : لا يجوز قرب ذلك أو بعد ، وكذلك مال العبد ، وقد قال فيهما أيضا : إن ذلك جائز قال : والذي أخذ به ابن عبد الحكم ، والمغيرة ، وابن دينار أنه لا يجوز فيهما إلا أن تكون مع الأصول ، ومع العبد في صفقة واحدة .

وقد روى أشهب عن مالك القولين جميعا ، ولا خلاف عن مالك ، وأصحابه في مشهور المذهب أن الثمرة إذا اشترطها مشتري الأصل أو اشتراها بعد أنها لا حصة لها من الثمن ، ولو أجيحت كلها كانت من المشتري ، ولا يكون شيء من جائحتها على [ ص: 288 ] البائع ، وكذلك كل ما جاز استثناؤه في الشراء ، والكراء من الثمار لا جائحة فيه ، وإنما تكون الجائحة فيما بيع منفردا من الثمار دون أصل هذا تحصيل المذهب ( وكل رهن فيه ثمرة قد أبرت فهي رهن عند مالك وأصحابه مع الرقاب ، وإن كانت لم تؤبر فهي للراهن ) وأما الشافعي رحمه الله ، فقوله في بيع النخل بعد الإبار وقبله كقول مالك سواء ، إلا أنه لا يجيز للمبتاع أن يشتري الثمرة قبل بدو صلاحها إذا لم يشترطها في حين شرائه النخل ، ولم يفرق بينه ، وبين غيره لعموم نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها ، وأما أبو حنيفة وأصحابه ، فإنهم ردوا ظاهر هذه السنة ، ودليلها بتأويلهم وردها ابن أبي ليلى ردا مجردا جهلا بها ، والله أعلم .

وسنذكر أقوالهم ، وظاهر مذهب مالك ، وأصحابه القول بهذا الحديث جملة ، ولا يردونه ، ويستعملونه فيمن باع نخلا قد أبرت أن ثمرها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع قالوا : وإذا لم تؤبر الثمرة فقد جعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - للمبتاع ، فإن اشترطها البائع لم تجز ، وكأن المبتاع باعها قبل بدو صلاحها ، ومن باع عندهم أرضا فيها زرع لم يبد [ ص: 289 ] صلاحه فهو للبائع حتى يشترطه المبتاع كمأبور النخل ، وما لم يظهر من الزرع في الأرض فهو للمبتاع بغير شرط كما لم يؤبر من الثمر ، ولا بأس عندهم ببيع الأرض بزرعها ، وهو أخضر كبيع الأصول بثمرها قبل بدو صلاحها ; لأن الثمر والزرع تبع لأصله ، وإذا أبر أكثر الحائط عندهم فهو للبائع حتى يشترطه المبتاع ، وإن كان المؤبر أقله فهو كله للمبتاع ، واضطربوا إذا أبر نصفه ، وإلا ظهر من المذهب أنه للمبتاع إلا أن يكون النصف مفرزا فيكون للبائع حينئذ ، وإلا فهو للمبتاع ، ومن ابتاع أرضا عندهم ، ولم يذكر شجرها فهي داخلة في البيع كبناء الدار ، وكذلك في صدقتها ، وأما الزرع فهو للبائع حتى يشترطه المبتاع .

هذا كله تحصيل مذهب مالك وأصحابه .

وأما الشافعي فأخبرنا أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا محمد بن جرير قال : أخبرنا الربيع بن سليمان عن الشافعي قال في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع . فائدتان إحداهما لا يشكل ; لأن الحائط إذا بيع [ ص: 290 ] وقد أبر نخله أن الثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فتكون مما وقعت عليه صفقة البيع ، ويكون له حصة من الثمن ، والثانية أن الحائط إذا بيع ، ولم تؤبر نخله فثمره للمشتري ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ حد فقال : إذا أبر فثمره للبائع فقد أخبر أن حكمه إذا لم يؤبر حكمه إذا أبر فمن باع حائطا لم يؤبر فالثمرة للمشتري بغير شرط استدلالا بالسنة ، وهو قول الليث بن سعد ، وداود بن علي ، وأحمد بن حنبل والطبري .

وقال الشافعي : فله حكم نفسه لا حكم غيره فمن باع حائطا لم يؤبر فثمره للمشتري ، وإن أبر غيره ، ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها في حائط بعينه لم يجز ، وإن بدا الصلاح في مثلها في غيره ; لأن حكمه بنفسه لا بغيره .

وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والأوزاعي : من باع نخلا فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ، وسواء أبرت أو لم تؤبر هي للبائع أبدا ، إلا أن يشترطها المبتاع .

وقال ابن أبي ليلى : الثمرة للمشتري اشترطها أو لم يشترطها كعسف النخل .

قال أبو عمر : أما الكوفيون ، والأوزاعي فلا يفرقون بين المؤبر ، وغيره ، ويجعلون الثمرة للبائع إذا كانت قد ظهرت قبل [ ص: 291 ] البيع ، ومن حجتهم أنه لم يختلف قول من شرط التأبير أنها لو لم تؤبر حتى تناهت ، وصارت بلحا أو بسرا ، ثم بيع النخل ، أن الثمرة لا تدخل فيه ، قالوا : فعلمنا أن المعنى في ذكر التأبير ظهور الثمرة .

قال أبو عمر : الإبار عند أهل العلم في النخل التلقيح ، وهو أن يؤخذ شيء من طلع النخل فيدخل بين ظهراني طلع الإناث ، ومعنى ذلك في سائر الثمار ظهور الثمرة من التين ، وغيره حتى تكون الثمرة مرئية منظورا إليها ، والمعتبر به عند مالك ، وأصحابه فيما يذكر من الثمار التذكير ، وفيما لا يذكر أن يثبت من نواره ما يثبت لبعض ما يسقط وحد ذلك في الزرع ظهوره من الأرض قاله مالك ، وقد روي عنه أن إباره أن يتحبب .

قال أبو عمر : لم يختلف العلماء أن الحائط إذا انشق طلع إناثه فأخر إباره ، وقد أبر غيره ممن حاله مثل حاله أن حكمه حكم ما أبر ; لأنه قد جاء عليه وقت الإبار ، وظهرت ثمرته بعد تغيبها في الجف فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر [ ص: 292 ] تبعا له كما أن الحائط إذا بدا صلاحه كان سائر الحائط تبعا لذلك الصلاح في جواز بيعه .

وأصل الإبار أن يكون في شيء منه الإبار ، فيقع عليه اسم أنه قد أبر ، كما لو بدا صلاح شيء منه ، وهذا كله قول الشافعي وغيره من الفقهاء .

قال الشافعي : والكرسف إذا بيع أصله كالنخل إذا خرج جوزه ، ولم يتشقق فهو للمشتري ، وإذا شقق فهو للبائع مثل الطلع قبل الإبار ، وبعده قال : ومن باع أرضا فيها زرع ، وقد خرج من الأرض فالزرع للبائع إلا أن يشترطه المبتاع .

قال أبو عمر : وهو قول مالك ، وأصحابه إذا ظهر الزرع واستقل ، فإن لم يظهر الزرع ، ولم يخرج ، ولم يستقل لم يجز لمبتاع الأرض استثناؤه ، واشتراطه قول الشافعي ومالك في ذلك سواء .

قال الشافعي : فإن لم يشترط المبتاع الزرع كان للبائع فإن كان الزرع مما يبقى له أصول في الأرض يفسدها فعلى صاحب الزرع نزعها عن رب الأرض إن شاء رب الأرض قال : وهذا إذا باعه أرضا فيها زرع يحصد مرة واحدة ، وأما القصب فمن باع أرضا فيها قصب قد خرج من الأرض فليس له منه [ ص: 293 ] إلا جزة واحدة ، وليس له قلعه من أصله ; لأنه أصل قال : وكل ما يجز مرارا من الزرع فمثل القصب في الأصل ، والثمرة لا يخالفه .

قال أبو عمر : أما أصحاب مالك فإنهم يجيزون بيع القصب ، والموز من عام إلى عام إذا بدا صلاح أوله ، وأما القرط فيباع عندهم إذا بدا صلاح أوله على آخره ، وكذلك قصب السكر ، ويكون للمشتري من القرط أعلاه ، وأسفله ، ولا يجوز أن يشترط إبقاء خلفته برسما .

( وتحصيل مذهب مالك فيمن حبس حائطا له بعد موته أو تصدق به أو أوصى ، ثم مات ، وقد أبرت ثمرة الحائط فإن الثمرة للمورثة ; لأنها كالولادة ، فإن مات قبل أن تؤبر فالثمرة تبع للحبس والصدقة والوصية ، وكذلك الشفعة فيما قد أبر ، الثمرة للمستشفع منه ; لأنه كبيع حادث ، وإن لم تؤبر فالثمرة للآخذ ، وفي هذه المسائل اختلاف بين أصحاب مالك يطول اجتلاب ذلك ) .

قال أبو عمر : قد ذكرنا ما للفقهاء في بيع النخل المؤبر ، وغير المؤبر ، واختلافهم في معنى هذا الحديث ، والقول به ، وتصريف وجوهه .

وأما مال العبد فليس اختلافهم فيه من جنس اختلافهم في اشتراط ثمرة النخل يباع ، نذكر ما لهم في ذلك من القول هاهنا فهو أولى المواضع به من كتابنا هذا ( لأن [ ص: 294 ] نافعا جعل الحديث في مال العبد من قول عمر فلذلك لا مدخل له في مسند هذا الباب ) وبالله توفيقنا .

قال مالك رحمه الله : الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إذا اشترط مال العبد فهو له نقدا كان أو دينا أو عرضا يعلم أو لا يعلم ، وإن كان للعبد من المال أكثر مما اشترى به كان ثمنه نقدا أو دينا أو عرضا ، وذلك أن مال العبد لا تجب فيه الزكاة .

قال ابن القاسم : ويجوز لمبتاع العبد أن يشترط ماله ، وإن كان مجهولا من عين أو عرض بما شاء من ثمن نقدا أو إلى أجل .

قال أبو عمر : هذا ما لا أعلم فيه خلافا عن مالك وأصحابه أنه يجوز أن يشتري العبد وماله بدراهم إلى أجل ، وإن كان ماله دراهم أو دنانير أو عروضا ، وإن ماله كله تبع كاللغو لا يعتبر إذا اشترط ما يعتبر في الصفقة المفردة .

وكان الشافعي يقول ببغداد نحو قول مالك هذا ، وذكر الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي في الكتاب البغدادي أنه قال : اشتراط مال العبد جائز بالخبر عن رسول الله [ ص: 295 ] صلى الله عليه وسلم ، وقال : حكمه حكم طرق الدار ومسائل مائها ، فيجوز البيع إذا كان إنما قصد به قصد البيع للعبد خاصة ، ويكون المال تبعا في المعنى ليس معناه معنى عبدين قصد قصدهما بالبيع ، وهو قول أبي ثور أيضا .

قال الشافعي : فإن قيل : كيف يجوز أن يملك بالعقد ما لو قصد على الانفراد لم يجز ؟ فقد أجازوا بيع الطرق والمسابل والآبار ، وما سمينا مع الدار ، ولو قصد قصدهما على الانفراد ، وقول عثمان البتي مثل ذلك أيضا ، قال : إذا باع عبدا وله مال ألف درهم فباعه بألف درهم فالبيع جائز إن كانت رغبة المبتاع في العبد لا في الدراهم التي له .

وقال الشافعي في كتابه المصري ذكره عنه الربيع والمزني والبويطي ، وغيرهم : لا يجوز اشتراط مال العبد إذا كان له مال فضة فاشتراه بفضة أو ذهب فاشتراه بذهب إلا أن يكون ماله خلاف الثمن أو يكون عروضا كما يكون في سائر البيوع الصرف وغيره ، والمال والعبد بشيء بيعا صفقة واحدة ، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه ، وبيع العبد وماله كمن باع شيئا لا يجوز في ذلك إلا ما يجوز في سائر البيوع ، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه بيع العبد بألف درهم ، وله ألف درهم ، حتى يكون مع الألف زيادة ، ويكون الألف بالألف ، وتكون [ ص: 296 ] الزيادة ثمنا للعبد على أصلهم في الصرف ، وبيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة إذا كان مع أحدهما عرض .

وحجة من قال هذا القول وذهب هذا المذهب ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل مال العبد للمبتاع إلا بالشرط فكان ذلك عندهم كبيع دابة ومال غيرها . والعبد عند الشافعي في قوله بمصر ، وعند أبي حنيفة وأصحابه ، ولا يملك شيئا ، ولا يجوز له التسري فيما بيده أذن له مولاه أو لم يأذن ; لأنه لا يصح له ملك يمين ما دام مملوكا ; لأنه يستحيل أن يكون مالكا مملوكا في حال ، وقال مالك وأصحابه : يملك ماله كما يملك عصمة نكاحه ، وجائز له التسري فيما ملك ، وحجتهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من باع عبدا وله مال فأضاف المال إليه وقال الله عز وجل ( فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف ) فأضاف أجورهن إليهن إضافة تمليك ، وهذا كله قول داود أيضا ، وأصحابه إلا أن داود يجعله مالكا ملكا صحيحا ، ويوجب عليه زكاة الفطر والزكاة في ماله ، ومن الحجة أيضا أن عبد الله بن عمر كان يأذن لعبيده في التسري فيما بأيديهم ، ولا مخالف له من الصحابة ، ومحال أن يتسرى فيما لا يملك ; لأن الله لم يبح الوطء إلا في [ ص: 297 ] نكاح أو ملك يمين ، وجعل الشافعي ، والعراقيون ، ومن قال بقولهم ، إضافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مال العبد إلى العبد كإضافة ثمر النخل إلى النخل ، وكإضافة باب الدار إلى الدار ، بدليل قوله : فماله للبائع ; أي فماله للبائع حقيقة .

قالوا : والعرب تقول هذا سرج الدابة ، وغنم الراعي ، ولا توجب هذه الإضافة تمليكا ، فكذلك إضافة مال العبد إليه عندهم ، ومن الحجة أيضا الإجماع على أن انتزاع مال عبده من يده ، فلو كان ملكا صحيحا لم ينتزع منه ، وإجماعهم على أن ماله لا يورث عنه ، وأنه لسيده ، والحجة لكلا القولين تكثر وتطول ، وقد أكثر القوم فيها وطولوا ، وفيما ذكرنا ولوحنا وأشرنا إليه كفاية .

ولا يجيز هؤلاء للعبد أن يتسرى ، ولا يحل له عندهم وطء فرج إلا بنكاح صحيح ، وقال الحسن ، والشعبي مال العبد تبع له أبدا في البيع والعتق جميعا ، لا يحتاج مشتريه فيه إلى اشتراط ، وهذا قول مردود بالسنة لا يعرج عليه ، وقال مالك وابن شهاب ، وأكثر أهل المدينة : إذا أعتق العبد تبعه ماله ، وفي البيع لا يتبعه ماله وهو لبائعه ، وروي ( بنحو ) هذا القول في العتق أيضا خبر تزوجها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر ، ولكنه خطأ عند أهل العلم بالنقل [ ص: 298 ] ( وروى أصبغ عن ابن القاسم قال : إذا وهب الرجل عبده لرجل ، أو تصدق به عليه فمال العبد للواهب والمتصدق . قال : وإذا أوصى بعبده لرجل ، فماله للموصى له .

قال أصبغ : بل كل ذلك واحد ، وهو للموهوب له والمتصدق به عليه ، ولا يكون المال إلا في البيع وحده ; لأن الصدقات تشبه العتق ; لأن في ذلك كله قربان ، ولم يختلف قول مالك وأصحابه في العبد يعتق بأي وجه عتق ، أن ماله تبع له ليس لسيده منه شيء إلا أن ينتزعه منه قبل ذلك ، وسواء كان العتق بتلا أو إلى أجل أو من وصية أو عتق بالحنث أو بالنسب ممن يعتق على مالكه أو عتق بالمثلة ، كل ذلك يتبع العبد فيه ماله ، وكذلك المدبر .

واتفق ابن القاسم ، وابن وهب في العبد يمثل به مولاه ، وهو محجور عليه سفيه أنه يعتق عليه ، واختلفا في مال ذلك العبد فقال ابن القاسم : لا يتبعه ماله ، وقال ابن وهب : يتبعه ماله ، وبه قال أصبغ ) .

وقال الشافعي بمصر ، والكوفيون : إذا عتق العبد أو بيع لم يتبعه ماله ، ولا مال له ولا ملك إلا مجازا ، واتساعا لا حقيقة .




الخدمات العلمية