الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كفأ

                                                          كفأ : كافأه على الشيء مكافأة وكفاء : جازاه . تقول : ما لي به قبل ولا كفاء أي ما لي به طاقة على أن أكافئه . وقول حسان بن ثابت :


                                                          وروح القدس ليس له كفاء



                                                          أي جبريل - عليه السلام - ليس له نظير ولا مثيل . وفي الحديث : فنظر إليهم فقال : من يكافئ هؤلاء . وفي حديث الأحنف : لا أقاوم من لا كفاء له يعني الشيطان . ويروى : لا أقاول . والكفيء : النظير ، وكذلك الكفء ، والكفوء ، على فعل وفعول . والمصدر الكفاءة ، بالفتح والمد . وتقول : لا كفاء له ، بالكسر ، وهو في الأصل مصدر ، أي لا نظير له ، والكفء : النظير والمساوي . ومنه الكفاءة في النكاح ، وهو أن يكون الزوج مساويا للمرأة في حسبها ودينها ونسبها وبيتها وغير ذلك . وتكافأ الشيئان : تماثلا . وكافأه مكافأة وكفاء : ماثله . ومن كلامهم : الحمد لله كفاء الواجب أي قدر ما يكون مكافئا له . والاسم : الكفاءة والكفاء . قال :


                                                          فأنكحها ، لا في كفاء ولا غنى     زياد ، أضل الله سعي زياد



                                                          وهذا كفاء هذا وكفأته وكفيئه وكفؤه وكفؤه وكفؤه ، بالفتح عن كراع ، أي مثله ، يكون هذا في كل شيء . قال أبو زيد : سمعت امرأة من عقيل وزوجها يقرآن : ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفى أحد ) فألقى الهمزة وحول حركتها على الفاء . وقال الزجاج : في قوله تعالى : ( ولم يكن له كفؤا أحد ) أربعة أوجه القراءة ، منها ثلاثة : كفؤا ، بضم الكاف والفاء ، وكفأ بضم الكاف وإسكان الفاء ، وكفأ ، بكسر الكاف وسكون الفاء ، وقد قرئ بها ، وكفاء ، بكسر الكاف والمد ولم يقرأ بها . ومعناه : لم يكن أحد مثلا لله ، تعالى ذكره . ويقال : فلان كفيء فلان وكفؤ فلان . وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وعاصم كفؤا ، مثقلا مهموزا . وقرأ حمزة كفأ ، بسكون الفاء مهموزا ، وإذا وقف قرأ كفا ، بغير همز . واختلف عن نافع فروي عنه : كفؤا ، مثل أبي عمرو ، وروي : كفأ ، مثل حمزة . والتكافؤ : الاستواء . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم : المسلمون تتكافأ دماؤهم . قال أبو عبيد : يريد تتساوى في الديات والقصاص ، فليس لشريف على وضيع فضل في ذلك . وفلان كفء فلانة إذا كان يصلح لها بعلا ، والجمع من كل ذلك : أكفاء . قال ابن سيده : ولا أعرف للكفء جمعا على أفعل ولا فعول . وحري أن يسعه ذلك ، أعني أن يكون أكفاء جمع كفء ، المفتوح الأول أيضا . وشاتان مكافأتان : مشتبهتان ، عن ابن الأعرابي . وفي حديث العقيقة عن الغلام : شاتان مكافئتان أي : متساويتان في السن أي لا يعق عنه إلا بمسنة ، وأقله أن يكون جذعا ، كما يجزئ في الضحايا . وقيل : مكافئتان أي مستويتان أو متقاربتان . واختار الخطابي الأول ، قال : واللفظة مكافئتان ، بكسر الفاء ، يقال : كافأه يكافئه فهو مكافئه أي مساويه . قال : والمحدثون يقولون مكافأتان ، بالفتح . قال : وأرى الفتح أولى لأنه يريد شاتين قد سوي بينهما أي مساوى بينهما . قال : وأما بالكسر فمعناه أنهما مساويتان ، فيحتاج أن يذكر أي شيء ساويا ، وإنما لو قال متكافئتان كان الكسر أولى . وقال الزمخشري : لا فرق بين المكافئتين والمكافأتين ؛ لأن كل واحدة إذا كافأت أختها فقد كوفئت ، فهي مكافئة ومكافأة ، أو يكون معناه : معادلتان ، لما يجب في الزكاة والأضحية من الأسنان . قال : ويحتمل مع الفتح أن يراد مذبوحتان ، من كافأ الرجل بين البعيرين إذا نحر هذا ثم هذا معا من غير تفريق ؛ كأنه يريد شاتين يذبحهما في وقت واحد . وقيل : تذبح إحداهما مقابلة الأخرى ، وكل شيء ساوى شيئا ، حتى يكون مثله ، فهو مكافئ له . والمكافأة بين الناس من هذا . يقال : كافأت الرجل أي فعلت به مثل ما فعل بي . ومنه الكفء من الرجال للمرأة ، تقول : إنه مثلها في حسبها . وأما قوله - صلى الله عليه وسلم : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها فإنما لها ما كتب لها . فإن معنى قوله : لتكتفئ : تفتعل ، من كفأت القدر وغيرها إذا كببتها لتفرغ ما فيها ؛ والصحفة : القصعة . وهذا مثل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها إذا سألت طلاقها ليصير حق الأخرى كله من زوجها لها . ويقال : كافأ الرجل بين فارسين برمحه إذا والى بينهما فطعن هذا ثم هذا . قال الكميت :


                                                          نحر المكافئ والمكثور يهتبل



                                                          والمكثور : الذي غلبه الأقران بكثرتهم . يهتبل : يحتال للخلاص . ويقال : بنى فلان ظلة يكافئ بها عين الشمس ليتقي حرها . قال أبو ذر - رضي الله عنه - في حديثه : ولنا عباءتان نكافئ بهما عنا عين الشمس أي نقابل بهما الشمس وندافع ، من المكافأة : المقاومة ، وإني لأخشى فضل الحساب . وكفأ الشيء والإناء يكفؤه كفأ وكفأه فتكفأ ، وهو مكفوء ، واكتفأه مثل كفأه : قلبه . قال بشر بن أبي خازم :


                                                          وكأن ظعنهم غداة تحملوا     سفن تكفأ في خليج مغرب



                                                          وهذا البيت بعينه استشهد به الجوهري على تكفأت المرأة في مشيتها : ترهيأت ومادت ، كما تتكفأ النخلة العيدانة . الكسائي : كفأت الإناء إذا كببته ، وأكفأ الشيء : أماله ، لغية ، وأباها الأصمعي . ومكفئ الظعن : آخر أيام العجوز . والكفأ : أيسر الميل في السنام ونحوه ؛ جمل أكفأ وناقة كفآء . ابن شميل : سنام أكفأ وهو الذي مال على أحد جنبي البعير ، وناقة كفآء وجمل أكفأ ، وهو من أهون [ ص: 81 ] عيوب البعير لأنه إذا سمن استقام سنامه . وكفأت الإناء : كببته . وأكفأ الشيء : أماله ، ولهذا قيل : أكفأت القوس إذا أملت رأسها ولم تنصبها نصبا حتى ترمي عنها . غيره : وأكفأ القوس : أمال رأسها ولم ينصبها نصبا حين يرمي عليها . قال ذو الرمة :


                                                          قطعت بها أرضا ترى وجه ركبها     إذا ما علوها مكفأ غير ساجع



                                                          أي ممالا غير مستقيم . والساجع : القاصد المستوي المستقيم . والمكفأ : الجائر ، يعني جائرا غير قاصد ؛ ومنه السجع في القول . وفي حديث الهرة : أنه كان يكفئ لها الإناء أي : يميله لتشرب منه بسهولة . وفي حديث الفرعة : خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبره ، وتكفئ إناءك ، وتوله ناقتك أي : تكب إناءك لأنه لا يبقى لك لبن تحلبه فيه . وتوله ناقتك أي تجعلها والهة بذبحك ولدها . وفي حديث الصراط : آخر من يمر رجل يتكفأ به الصراط أي : يتميل ويتقلب . وفي حديث دعاء الطعام : غير مكفإ ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا أي غير مردود ولا مقلوب ، والضمير راجع إلى الطعام . وفي رواية : غير مكفي ، من الكفاية ، فيكون من المعتل . يعني : أن الله تعالى هو المطعم والكافي ، وهو غير مطعم ولا مكفي ، فيكون الضمير راجعا إلى الله عز وجل . وقوله : ولا مودع أي غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده . وأما قوله : ربنا ، فيكون على الأول منصوبا على النداء المضاف بحذف حرف النداء ، وعلى الثاني مرفوعا على الابتداء المؤخر ، أي ربنا غير مكفي ولا مودع ، ويجوز أن يكون الكلام راجعا إلى الحمد كأنه قال : حمدا كثيرا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه أي عن الحمد . وفي حديث الضحية : ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما أي مال ورجع . وفي الحديث : فأضع السيف في بطنه ثم أنكفئ عليه . وفي حديث القيامة : وتكون الأرض خبزة واحدة يكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر . وفي رواية : يتكفؤها ، يريد الخبزة التي يصنعها المسافر ويضعها في الملة ، فإنها لا تبسط كالرقاقة ، وإنما تقلب على الأيدي حتى تستوي . وفي حديث صفة النبي - صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا مشى تكفى تكفيا . التكفي : التمايل إلى قدام كما تتكفأ السفينة في جريها . قال ابن الأثير : روي مهموزا وغير مهموز . قال : والأصل ، الهمز لأن مصدر تفعل من الصحيح تفعل كتقدم تقدما ، وتكفأ تكفؤا ، والهمزة حرف صحيح ، فأما إذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه نحو تحفى تحفيا ، وتسمى تسميا ، فإذا خففت الهمزة التحقت بالمعتل وصار تكفيا بالكسر . وكل شيء أملته فقد كفأته ، وهذا كما جاء أيضا : أنه كان إذا مشى كأنه ينحط في صبب . وكذلك قوله : إذا مشى تقلع ، وبعضه موافق بعضا ومفسره . وقال ثعلب في تفسير قوله : كأنما ينحط في صبب : أراد أنه قوي البدن ، فإذا مشى فكأنما يمشي على صدور قدميه من القوة ، وأنشد :


                                                          الواطئين على صدور نعالهم     يمشون في الدفئي والأبراد



                                                          والتكفي في الأصل مهموز فترك همزه ، ولذلك جعل المصدر تكفيا . وأكفأ في سيره : جار عن القصد . وأكفأ في الشعر : خالف بين ضروب إعراب قوافيه ، وقيل : المخالفة بين هجاء قوافيه ، إذا تقاربت مخارج الحروف أو تباعدت . وقال بعضهم : الإكفاء في الشعر هو المعاقبة بين الراء واللام ، والنون والميم . قال الأخفش : زعم الخليل أن الإكفاء هو الإقواء ، وسمعته من غيره من أهل العلم . قال : وسألت العرب الفصحاء عن الإكفاء ، فإذا هم يجعلونه الفساد في آخر البيت والاختلاف من غير أن يحدوا في ذلك شيئا ، إلا أني رأيت بعضهم يجعله اختلاف الحروف ، فأنشدته :


                                                          كأن فا قارورة لم تعفص     منها ، حجاجا مقلة لم تلخص


                                                          كأن صيران المها المنقز



                                                          فقال : هذا هو الإكفاء . قال : وأنشد آخر قوافي على حروف مختلفة ، فعابه ، ولا أعلمه إلا قال له : قد أكفأت . وحكى الجوهري عن الفراء : أكفأ الشاعر إذا خالف بين حركات الروي ، وهو مثل الإقواء . قال ابن جني : إذا كان الإكفاء في الشعر محمولا على الإكفاء في غيره ، وكان وضع الإكفاء إنما هو للخلاف ووقوع الشيء على غير وجهه ، لم ينكر أن يسموا به الإقواء في اختلاف حروف الروي جميعا ؛ لأن كل واحد منهما واقع على غير استواء . قال الأخفش : إلا أني رأيتهم ، إذا قربت مخارج الحروف ، أو كانت من مخرج واحد ، ثم اشتد تشابهها ، لم تفطن لها عامتهم ، يعني عامة العرب . وقد عاب الشيخ أبو محمد بن بري على الجوهري قوله : الإكفاء في الشعر أن يخالف بين قوافيه ، فيجعل بعضها ميما وبعضها طاء ، فقال : صواب هذا أن يقول وبعضها نونا لأن الإكفاء إنما يكون في الحروف المتقاربة في المخرج ، وأما الطاء فليست من مخرج الميم . والمكفأ في كلام العرب هو المقلوب ، وإلى هذا يذهبون . قال الشاعر :


                                                          ولما أصابتني من الدهر نزلة     شغلت وألهى الناس عني شؤونها
                                                          إذا الفارغ المكفي منهم دعوته     أبر وكانت دعوة يستديمها



                                                          فجمع الميم مع النون لشبهها بها لأنهما يخرجان من الخياشيم . قال : وأخبرني من أثق به من أهل العلم أن ابنة أبي مسافع قالت ترثي أباها ، وقتل ، وهو يحمي جيفة أبي جهل بن هشام :


                                                          وما ليث غريف ذو     أظافير وإقدام
                                                          كحبي إذ تلاقوا و     وجوه القوم أقران
                                                          وأنت الطاعن النجلا     ء منها مزبد آن
                                                          وبالكف حسام صا     رم ، أبيض خدام
                                                          وقد ترحل بالركب     فما تخني بصحبان



                                                          قال : جمعوا بين الميم والنون لقربهما وهو كثير . قال : وقد سمعت من العرب مثل هذا ما لا أحصي . قال الأخفش : وبالجملة فإن الإكفاء المخالفة . وقال في قوله : مكفأ غير ساجع : المكفأ ها هنا : [ ص: 82 ] الذي ليس بموافق . وفي حديث النابغة أنه كان يكفئ في شعره : هو أن يخالف بين حركات الروي رفعا ونصبا وجرا . قال : وهو كالإقواء ، وقيل : هو أن يخالف بين قوافيه ، فلا يلزم حرفا واحدا . وكفأ القوم : انصرفوا عن الشيء . وكفأهم عنه كفأ : صرفهم . وقيل : كفأتهم كفأ إذا أرادوا وجها فصرفتهم عنه إلى غيره ، فانكفؤوا أي رجعوا . ويقال : كان الناس مجتمعين فانكفؤوا وانكفتوا إذا انهزموا . وانكفأ القوم : انهزموا . وكفأ الإبل : طردها . واكتفأها : أغار عليها ، فذهب بها . وفي حديث السليك بن السلكة : أصاب أهليهم وأموالهم ، فاكتفأها . والكفأة والكفأة في النخل : حمل سنتها ، وهو في الأرض زراعة سنة . قال :


                                                          غلب مجاليح عند المحل كفأتها     أشطانها ، في عذاب البحر ، تستبق



                                                          أراد به النخيل ، وأراد بأشطانها عروقها ؛ والبحر ها هنا : الماء الكثير ؛ لأن النخيل لا تشرب في البحر . أبو زيد يقال : استكفأت فلانا نخلة إذا سألته ثمرها سنة ، فجعل للنخل كفأة ، وهو ثمر سنتها شبهت بكفأة الإبل . واستكفأت فلانا إبله أي سألته نتاج إبله سنة فأكفأنيها أي أعطاني لبنها ووبرها وأولادها منه . والاسم : الكفأة والكفأة ، تضم وتفتح . تقول : أعطني كفأة ناقتك وكفأة ناقتك . غيره : كفأة الإبل وكفأتها : نتاج عام . ونتج الإبل كفأتين . وأكفأها إذا جعلها كفأتين ، وهو أن يجعلها نصفين ينتج كل عام نصفا ، ويدع نصفا ، كما يصنع بالأرض بالزراعة ، فإذا كان العام المقبل أرسل الفحل في النصف الذي لم يرسله فيه من العام الفارط ؛ لأن أجود الأوقات عند العرب ، في نتاج الإبل أن تترك الناقة بعد نتاجها سنة لا يحمل عليها الفحل ، ثم تضرب إذا أرادت الفحل . وفي الصحاح : لأن أفضل النتاج أن تحمل على الإبل الفحولة عاما ، وتترك عاما ، كما يصنع بالأرض في الزراعة ؛ وأنشد قول ذي الرمة :


                                                          ترى كفأتيها تنفضان ولم يجد     لها ثيل سقب في النتاجين لامس



                                                          وفي الصحاح : كلا كفأتيها يعني : أنها نتجت كلها إناثا ، وهو محمود عندهم . وقال كعب بن زهير :


                                                          إذا ما نتجنا أربعا عام كفأة     بغاها خناسيرا ، فأهلك أربعا



                                                          الخناسير : الهلاك . وقيل : الكفأة والكفأة : نتاج الإبل بعد حيال سنة . وقيل : بعد حيال سنة وأكثر . يقال من ذلك : نتج فلان إبله كفأة وكفأة ، وأكفأت في الشاء : مثله في الإبل . وأكفأت الإبل : كثر نتاجها . وأكفأ إبله وغنمه فلانا : جعل له أوبارها وأصوافها وأشعارها وألبانها وأولادها . وقال بعضهم : منحه كفأة غنمه وكفأتها : وهب له ألبانها وأولادها وأصوافها سنة ورد عليه الأمهات . ووهبت له كفأة ناقتي وكفأتها ، تضم وتفتح ، إذا وهبت له ولدها ولبنها ووبرها سنة . واستكفأه ، فأكفأه : سأله أن يجعل له ذلك . أبو زيد : استكفأ زيد عمرا ناقته إذا سأله أن يهبها له وولدها ووبرها سنة . وروي عن الحارث بن أبي الحارث الأزدي من أهل نصيبين : أن أباه اشترى معدنا بمائة شاة متبع ، فأتى أمه ، فاستأمرها ، فقالت : إنك اشتريته بثلثمائة شاة : أمها مائة ، وأولادها مائة شاة ، وكفأتها مائة شاة ، فندم فاستقال صاحبه فأبى أن يقيله ، فقبض المعدن فأذابه ، وأخرج منه ثمن ألف شاة ، فأثى به صاحبه إلى علي - كرم الله وجهه - فقال : إن أبا الحارث أصاب ركازا ، فسأله علي - كرم الله وجهه - فأخبره أنه اشتراه بمائة شاة متبع . فقال علي : ما أرى الخمس إلا على البائع فأخذ الخمس من الغنم أراد بالمتبع : التي يتبعها أولادها . وقوله أثى به أي وشى به وسعى به ، يأثوا أثوا . والكفأة أصلها في الإبل : وهو أن تجعل الإبل قطعتين يراوح بينهما في النتاج ، وأنشد شمر :


                                                          قطعت إبلي كفأتين ثنتين     قسمتها بقطعتين نصفين
                                                          أنتج كفأتيهما في عامين     أنتج عاما ذي وهذي يعفين
                                                          وأنتج المعفى من القطعتين     من عامنا الجائي وتيك يبقين



                                                          قال أبو منصور : لم يزد شمر على هذا التفسير . والمعنى : أن أم الرجل جعلت كفأة مائة شاة في كل نتاج مائة . ولو كانت إبلا كان كفأة مائة من الإبل خمسين ؛ لأن الغنم يرسل الفحل فيها وقت ضرابها أجمع ، وتحمل أجمع ، وليست مثل الإبل يحمل عليها سنة ، وسنة لا يحمل عليها . وأرادت أم الرجل تكثير ما اشترى به ابنها ، وإعلامه أنه غبن فيما ابتاع ، ففطنته أنه كأنه اشترى المعدن بثلثمائة شاة ، فندم الابن واستقال بائعه ، فأبى ، وبارك الله له في المعدن ، فحسده البائع على كثرة الربح ، وسعى به إلى علي - رضي الله عنه - ليأخذ منه الخمس ، فألزم الخمس البائع ، وأضر الساعي بنفسه في سعايته بصاحبه إليه . والكفاء بالكسر والمد : سترة في البيت من أعلاه إلى أسفله من مؤخره . وقيل : الكفاء الشقة التي تكون في مؤخر الخباء . وقيل : هو شقة أو شقتان ينصح إحداهما بالأخرى ثم يحمل به مؤخر الخباء . وقيل : هو كساء يلقى على الخباء كالإزار حتى يبلغ الأرض . وقد أكفأ البيت إكفاء ، وهو مكفأ ، إذا عملت له كفاء . وكفاء البيت : مؤخره . وفي حديث أم معبد : رأى شاة في كفاء البيت هو من ذلك ، والجمع أكفئة ، كحمار وأحمرة . ورجل مكفأ الوجه : متغيره ساهمه . ورأيت فلانا مكفأ الوجه إذا رأيته كاسف اللون ساهما . ويقال : رأيته متكفئ اللون ومنكفت اللون أي متغير اللون . وفي حديث عمر - رضي الله عنه : أنه انكفأ لونه عام الرمادة أي تغير لونه عن حاله . ويقال : أصبح فلان كفيء اللون متغيره ، كأنه كفئ ، فهو مكفوء وكفيء . قال دريد بن الصمة :


                                                          وأسمر من قداح النبع فرع     كفيء اللون من مس وضرس



                                                          أي متغير اللون من كثرة ما مسح وعض . وفي حديث الأنصاري : ما لي أرى لونك منكفئا ؟ قال : من الجوع . وقوله في الحديث : كان لا يقبل الثناء إلا من مكافئ . قال القتيبي : معناه إذا أنعم على رجل نعمة فكافأه بالثناء عليه قبل ثناءه ، وإذا أثنى قبل أن ينعم عليه لم يقبلها . قال ابن الأثير ، وقال ابن الأنباري : هذا غلط ، إذا كان أحد لا [ ص: 83 ] ينفك من إنعام النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الله عز وجل ، بعثه رحمة للناس كافة ، فلا يخرج منها مكافئ ولا غير مكافئ ، والثناء عليه فرض لا يتم الإسلام إلا به . وإنما المعنى : أنه لا يقبل الثناء عليه إلا من رجل يعرف حقيقة إسلامه ، ولا يدخل عنده في جملة المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم . قال : وقال الأزهري : وفيه قول ثالث : إلا من مكافئ أي مقارب غير مجاوز حد مثله ، ولا مقصر عما رفعه الله إليه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية