الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الثالث عشر : أن يكون المسلم فيه دينا في الذمة احترازا من بيع المعين الذي يتأخر قبضه ، وفي الكتاب : يمتنع السلم في سلعة معينة يتأخر قبضها أجلا بعيدا خشية هلاكها قبله ، ويجوز لليومين لقربهما ، قال أبو الطاهر : إلا أن يشترط الانتفاع بالمبيع فيجوز ما لا غرر فيه كاليومين في الدابة ، والثلاث في الثوب ، والشهر في الدار ، وأكثر من ذلك في الأرض ، قال اللخمي : فإن أسقط الأجل حيث قلنا بالفساد اختلف في الإمضاء ، قال : وأراه جائزا إذا رضيا ، وكأنه عقد مبتدأ ، وإذا قال : هو من ضماني عندك جاز ، قال أبو الطاهر : بل يمتنع ; لأنه زاد الضمان ثمنا ، والضمان لا يقبل المعاوضة . قال سند : والفرق بين هذا وبين قول ابن القاسم في كراء الدابة : ويشترط أن لا يقبض إلى شهر ، بل إن الأصل ضمان المبيع من المشتري ، فبقاؤه عند البائع يناقض العقد ، والعين المستأجرة منافعها للأجير حتى يستوفي ، فلم يناقض العقد ، وإذا صححنا الشرط : فالضمان في المدة من البائع استصحابا لضمانه لسلعته ، وكذلك حيث استثنى ما لا يجوز من المدة فهلكت عنده ، وإن هلكت عند المشتري [ ص: 260 ] بعد المدة فهي منه ، كالبيع الفاسد يتصل به القبض ثم يهلك ، وإن هلكت بيده وقد قبضها في المدة فكذلك عند أصبغ ، وقاله ابن القاسم ، وجعله كالقبض في شرط الخيار في الكراء الفاسد ، قال اللخمي : اختلف إذا لم ينقد في العين المتأخر قبضها وقال : إن صارت في ملكي فهي لي بكذا ، قال : والجواز أحسن لعدم الغرر .

                                                                                                                قاعدة : الغرر في المبيع سبعة أقسام : في الوجود : كالآبق ، والحصول : كالطائر في الهواء ، والجنس : كسلعة لم يسمها ، والنوع : كعبد لم يعينه ، والمقدار : كبيع ما تصل إليه رمية الحجر ، والتعيين : كبيع ثوب من ثوبين ، والبقاء : كبيع الثمار قبل بدو صلاحها ، وبيع المعين يتأخر قبضه من غرر البقاء كالثمار ، فلذلك امتنع .

                                                                                                                قاعدة : السلف شرع للمعروف ، مستثنى من قواعد الربا ، قربة إلى الله تعالى ، فيمنع في المكايسة حيث انتفى المعروف ; لوقوع المفسدة مع عدم معارضتها من المصلحة ، أو لأنهم أوقعوا ما لله لغيره ، وقد تقدم بسط هذه القاعدة ، وهذه المسألة مبنية عليها أيضا ; لأنه على تقدير تعذر التسليم يكون الثمن سلفا .

                                                                                                                قاعدة : الأصل في الأسباب الشرعية أن تترتب عليها مسبباتها تحصيلا لحكم تلك الأسباب ، فإذا تأخر قبض المعين توقعنا هلاكه قبل ترتيب حكم السبب الشرعي الذي هو الانتفاع بالملك قد ثبت حكم السبب مضافا إلى تهمة [ ص: 261 ] البائع في التعدي .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يمتنع السلم في حائط بعينه قبل زهوه ليأخذه بسرا أو تمرا لتوقع الهلاك قبل ذلك ، وإنما يجوز إذا أزهى لأنه مأمون حينئذ ، ويضرب أجلا ، وما يأخذ كل يوم ، وهل يأخذ بسرا أو رطبا نفيا للجهالة ، وسواء نقد أم لا ; لأنه شرع في الأخذ وليس دينا بدين ، وهو عند مالك بيع لا سلم ; لأن السلم يكون في الذمة ، وهذا معين يتأخر قبضه ، وتأخره خمسة عشر يوما قريب ; لأنها عوائد الناس في قبض مثل هذا شيئا فشيئا للضرورة ، فإن شرط أخذه تمرا امتنع لبعده ، ولا يشترط أن يأخذ كل يوم ما شاء للجهالة في الأجل ، قال صاحب التنبيهات : القرية الصغيرة كالحائط المعين ، لكن يجب تعجيل الثمن فيها ; لأن بيعه في الذمة فهو سلم ، قال اللخمي : للحائط ستة شروط : أن يكون قد أزهى ، وأن يشترط أخذه بسرا أو رطبا ، وأن يبين أجل الأخذ ، فإن ذكر أياما بين أعدادها وتواليها ومبدأها ومنتهاها ، وأن يذكر ما يأخذ كل يوم ، وأن لا يتعذر أخذه في وقته ، وأن يبقى ذلك إلى آخر الأيام ، فإن شك في تبيين ذلك في وقته أو بقائه إلى آخر الأيام امتنع ، فإن أسلم في تمر حائط بعد الإزهاء والإرطاب ليأخذه تمرا كرهه في الكتاب من غير تحريم ، ويفسخ ما لم يكن يبيض .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : إذا أسلم في حائط بعينه ليأخذ زهوا أو رطبا في [ ص: 262 ] يوم بعينه ، ثم رضي صاحب الحائط أن يقدم ذلك قبل الأجل جاز إن رضي المشتري ، وكان صفته فأجازه مع أنه طعام بطعام ليس يدا بيد ( وإن قصد المبايعة ) ، لكن راعى المعروف ليتصرف البائع في حائطه ، ويأمن الرجوع بالجوائح جاز أيضا ، وإن قصد أن يرجع بمثل ما دفع امتنع . إلا أن يكون سلفا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا أسلم في رطب حائط بعينه فأجيح انفسخ اتفاقا ; لأن المبيع معين كالعروض ، وكذلك القرية الصغيرة ، قال أبو الطاهر : هل يشترط أن يكون البائع مالكا لتمرها كالحائط ؟ قولان للمتأخرين ، أجرى عليهما ابن محرز تقديم رأس المال ، فعلى القول بالاشتراط لا يلزم كالحائط المعين ، وعلى الآخر : يلزم لأنه سلم ، وهو خلاف في حال إن أمكن المسلم إليه لشراء كان سلما ، وإلا فكالحائط ، قال صاحب التنبيهات : قال ابن محرز : يجب تقديم رأس المال جزما ، وسوى أبو محمد في الجواب بين إسلامه في حائط معين وقد أزهى أو أرطب ، وقال : معنى ما في الكتاب : يكره بدءا ويمضى إذا ترك ، وقال ابن شبلون : بل الفرق بينهما في الكتاب فيفسخ إذا أزهى ، بخلاف إذا أرطب . ففرق بين المسألتين في الكتاب .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يمنع السلم في زرع أرض معينة بدا صلاحها بخلاف التمر ; لأن التمر يشترط أخذه بسرا أو رطبا ، ويمتنع تأخير الزرع حتى ييبس ; لأنه غير مأمون الآفات قبل اليبس ، فإن فات مضى ، قال سند : اختلف بما يفوت : فروى أشهب : بالعقد ; لأن الإفراك صلاحه ، فتكون الكراهة خفيفة ، وقيل : [ ص: 263 ] بالقبض لقوة الملك بالقبض ، وعن ابن عبد الحكم : يفسخ مطلقا كبيع الثمار قبل بدو صلاحها . وصلاح الحب يبسه . لنهيه - عليه السلام - عن بيع الحب حتى يبيض .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية