الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كفي

                                                          كفي : الليث : كفى يكفي كفاية إذا قام بالأمر . ويقال : استكفيته أمرا فكفانيه . ويقال : كفاك هذا الأمر أي حسبك ، وكفاك هذا الشيء . وفي الحديث : من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه أي أغنتاه عن قيام الليل ، وقيل : إنهما أقل ما يجزئ من القراءة في قيام الليل ، وقيل : تكفيان الشر وتقيان من المكروه . وفي الحديث : سيفتح الله عليكم ويكفيكم الله أي يكفيكم القتال بما فتح عليكم . والكفاة : الخدم الذين يقومون بالخدمة ، جمع كاف . وكفى الرجل كفاية ، فهو كاف وكفى مثل حطم ؛ عن ثعلب ، واكتفى ، كلاهما : اضطلع ، وكفاه ما أهمه كفاية وكفاه مؤونته كفاية ، وكفاك الشيء يكفيك واكتفيت به . أبو زيد : هذا رجل كافيك من رجل وناهيك من رجل وجازيك من رجل وشرعك من رجل كله بمعنى واحد . وكفيته ما أهمه . وكافيته : من المكافاة ، ورجوت مكافاتك . ورجل كاف وكفي : مثل سالم وسليم . ابن سيده : ورجل كافيك من رجل ، وكفيك من رجل ، وكفى به رجلا . قال : وحكى ابن الأعرابي : كفاك بفلان وكفيك به وكفاك مكسور ، مقصور ، وكفاك مضموم مقصور أيضا ؛ قال : ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث . التهذيب : تقول رأيت رجلا كافيك من رجل ، ورأيت رجلين كافيك من رجلين ، ورأيت رجالا كافيك من رجال ، معناه كفاك به رجلا . الصحاح : وهذا رجل كافيك من رجل ، ورجلان كافياك من رجلين ، ورجال كافوك من رجال ، وكفيك بتسكين الفاء أي حسبك ؛ وأنشد ابن بري في هذا الموضع لجثامة الليثي :


                                                          سلي عني بني ليث بن بكر كفى قومي بصاحبهم خبيرا     هل اعفو عن أصول الحق فيهم
                                                          إذا عرضت وأقتطع الصدورا



                                                          وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله عز وجل : وكفى بالله وليا ، وما أشبهه في القرآن : معنى الباء للتوكيد ، المعنى كفى الله وليا إلا أن الباء دخلت في اسم الفاعل ؛ لأن معنى الكلام الأمر ، المعنى اكتفوا بالله وليا ، قال : ووليا منصوب على الحال ، وقيل : على التمييز . وقال في قوله سبحانه : أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد معناه أولم يكف ربك أولم تكفهم شهادة ربك ، ومعنى الكفاية ها هنا أنه قد بين لهم ما فيه كفاية في الدلالة على توحيده ، وفي حديث ابن مريم : فأذن لي إلى أهلي بغير كفي ؛ أي بغير من يقوم مقامي . يقال : كفاه الأمر إذا قام فيه مقامه . وفي حديث الجارود : وأكفي من لم يشهد أي أقوم بأمر من لم يشهد الحرب وأحارب عنه ؛ فأما قول الأنصاري :


                                                          فكفى بنا فضلا على من غيرنا     حب النبي محمد إيانا



                                                          فإنما أراد فكفانا ، فأدخل الباء على المفعول ، وهذا شاذ إذ الباء في مثل هذا إنما تدخل على الفاعل كقولك كفى بالله ؛ وقوله :


                                                          إذا لاقيت قومي فاسأليهم     كفى قوما بصاحبهم خبيرا



                                                          هو من المقلوب ، ومعناه كفى بقوم خبيرا صاحبهم ، فجعل الباء في الصاحب ، وموضعها أن تكون في قوم وهم الفاعلون في المعنى ؛ وأما زيادتها في الفاعل فنحو قولهم : كفى بالله ، وقوله تعالى : وكفى بنا حاسبين ، إنما هو كفى الله وكفانا كقول سحيم :


                                                          كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا



                                                          فالباء وما عملت في موضع مرفوع بفعله ، كقولك ما قام من أحد ، فالجار والمجرور هنا في موضع اسم مرفوع بفعله ، ونحوه قولهم في التعجب : أحسن بزيد ، فالباء وما بعدها في موضع مرفوع بفعله ، ولا ضمير في الفعل ، وقد زيدت أيضا في خبر لكن لشبهه بالفاعل ؛ قال :


                                                          ولكن أجرا لو فعلت بهين     وهل يعرف المعروف في الناس والأجر



                                                          أراد : ولكن أجرا لو فعلته هين ، وقد يجوز أن يكون معناه ولكن أجرا لو فعلته بشيء هين أي أنت تصلين إلى الأجر بالشيء الهين ، كقولك : وجوب الشكر بالشيء الهين ، فتكون الباء على هذا غير زائدة ، وأجاز محمد بن السري أن يكون قوله : كفى بالله ، تقديره كفى اكتفاؤك بالله أي اكتفاؤك بالله يكفيك ؛ قال ابن جني : وهذا يضعف عندي لأن الباء على هذا متعلقة بمصدر محذوف ، وهو الاكتفاء ، ومحال حذف الموصول وتبقية صلته ، قال : وإنما حسنه عندي قليلا أنك قد ذكرت كفى فدل على الاكتفاء لأنه من لفظه ، كما تقول : من كذب كان شرا له ، فأضمرته لدلالة الفعل عليه ، فها هنا أضمر اسما كاملا وهو الكذب ، وهناك أضمر اسما وبقي صلته التي هي بعضه ، فكان بعض الاسم مضمرا وبعضه مظهرا ، قال : فلذلك ضعف عندي ، قال : والقول في هذا قول سيبويه من أنه يريد كفى الله ، كقولك : وكفى الله المؤمنين القتال ؛ ويشهد بصحة هذا المذهب ما حكي عنهم من قولهم مررت بأبيات جاد بهن أبيات وجدن أبياتا ، فقوله بهن في موضع رفع ، والباء زائدة كما ترى . قال أخبرني بذلك محمد بن الحسن قراءة عليه عن أحمد بن يحيى أن الكسائي حكى ذلك عنهم ؛ قال : ووجدت مثله للأخطل وهو قوله :


                                                          [ ص: 94 ] فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها     وحب بها مقتولة حين تقتل !



                                                          فقوله بها في موضع رفع بحب ؛ قال ابن جني : وإنما جاز عندي زيادة الباء في خبر المبتدإ لمضارعته للفاعل باحتياج المبتدإ إليه كاحتياج الفعل إلى فاعله . والكفية ، بالضم : ما يكفيك من العيش ، وقيل : الكفية القوت ، وقيل : هو أقل من القوت ، والجمع الكفى . ابن الأعرابي : الكفى الأقوات ، واحدتها كفية . ويقال : فلان لا يملك كفى يومه على ميزان هذا أي قوت يومه ؛ وأنشد ثعلب :


                                                          ومختبط لم يلق من دوننا كفى     وذات رضيع لم ينمها رضيعها



                                                          قال : يكون كفى جمع كفية ، وهو أقل من القوت ، كما تقدم ، ويجوز أن يكون أراد كفاة ثم أسقط الهاء ، ويجوز أن يكون من قولهم رجل كفي أي كاف . والكفي : بطن الوادي ؛ عن كراع ، والجمع الأكفاء . ابن سيده : الكفو النظير لغة في الكفء ، وقد يجوز أن يريدوا به الكفؤ فيخففوا ثم يسكنوا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية