الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون .

الواو للحال . والجملة حال من قوله : الذين كفروا ، أي أنهم ينسبون إلى الله ما لم يأمر به كذبا ، وإذا دعوا إلى اتباع ما أمر الله به حقا أو التدبر فيه أعرضوا وتمسكوا بما كان عليه آباؤهم . فحالهم عجيبة في أنهم يقبلون ادعاء آبائهم أن الله أمرهم بما اختلقوا لهم من الضلالات ، مثل البحيرة والسائبة وما ضاهاهما ، ويعرضون عن دعوة الرسول الصادق بلا حجة لهم في الأولى ، وبالإعراض عن النظر في حجة الثانية أو المكابرة فيها بعد علمها .

والأمر في قوله ( تعالوا ) مستعمل في طلب الإقبال ، وفي إصغاء السمع ، ونظر الفكر ، وحضور مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم الصد عنه ، فهو مستعمل في حقيقته ومجازه . وتقدم الكلام على فعل ( تعال ) عند الكلام على نظير هذه الآية في سورة النساء .

و ما أنزل الله : هو القرآن . وعطف وإلى الرسول لأنه يرشدهم إلى فهم القرآن . وأعيد حرف ( إلى ) لاختلاف معنيي الإقبال بالنسبة إلى متعلقي تعالوا فإعادة الحرف قرينة على إرادة معنيي تعالوا الحقيقي والمجازي .

[ ص: 76 ] وقوله قالوا حسبنا أي كافينا ، إذا جعلت ( حسب ) اسما صريحا و ( ما وجدنا ) هو الخبر ، أو كفانا إذا جعلت ( حسب ) اسم فعل و ( ما وجدنا ) هو الفاعل . وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل في سورة آل عمران .

و ( على ) في قوله : ما وجدنا عليه آباءنا مجاز في تمكن التلبس ، وتقدم في قوله تعالى ( أولئك على هدى من ربهم ) .

وقوله : أو لو كان آباؤهم لا يعلمون إلخ ، تقدم القول على نظيره في سورة البقرة عند قوله وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم الآية .

وليس لهذه الآية تعلق بمسألة الاجتهاد والتقليد كما توهمه جمع من المفسرين ، لأن هذه الآية في تنازع بين أهل ما أنزل الله وأهل الافتراء على الله ، فأما الاجتهاد والتقليد في فروع الإسلام فذلك كله من اتباع ما أنزل الله . فتحميل الآية هذه المسألة إكراه للآية على هذا المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية