الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيما يباع من مال المفلس

                                                                                                                                                                        فيه مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : ينفق الحاكم على المفلس إلى فراغه من بيع ماله وقسمته ، وكذا [ ص: 145 ] ينفق على من عليه مؤنته من الزوجات والأقارب ; لأنه موسر ما لم يزل ملكه . وكذلك يكسوهم بالمعروف . هذا إذا لم يكن له كسب يصرف إلى هذه الجهات . وأما قدر نفقة الزوجات ، فقال الإمام : لا شك أن نفقته نفقة المعسرين . وقال الروياني : نفقة الموسرين . وهذا قياس الباب ، إذ لو كان نفقة المعسر ، لما أنفق على القريب .

                                                                                                                                                                        قلت : يرجح قول إمام الحرمين بنص الشافعي رضي الله عنه ، إذ قال في المختصر : أنفق عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم من نفقة وكسوة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الثانية : يباع مسكنه وخادمه . وإن كان محتاجا إلى من يخدمه لزمانة ، أو كان منصبه يقتضي ذلك ، هذا هو المذهب والمنصوص . وفي وجه ، يبقيان إذا كانا لائقين به بدون النفيسين . وفي وجه ، يبقى المسكن فقط .

                                                                                                                                                                        الثالثة : يترك له دست ثياب تليق به ، من قميص ، وسراويل ، ومنعل ، ومكعب . وإن كان في الشتاء زاد جبة . ويترك له عمامة ، وطيلسان ، وخف ودراعة يلبسها فوق القميص ، إن كان يليق به لبسها . وتوقف الإمام في الخف والطيلسان وقال : تركهما لا يخرم المروءة . وذكر أن الاعتبار بحاله في إفلاسه ، لا في بسطته وثروته . لكن المفهوم من كلام الأصحاب ، أنهم لا يوافقونه ويمنعون قوله : تركهما لا يخرم المروءة . ولو كان يلبس قبل إفلاسه فوق ما يليق بمثله رددناه إلى ما يليق ، ولو كان يلبس دون اللائق تقتيرا لم يرد إليه . ويترك لعياله من الثوب ، كما يترك له . ولا يترك الفرش والبسط ، لكن يسامح باللبد والحصير القليل القيمة .

                                                                                                                                                                        الرابعة : يترك قوت يوم القسمة له ولمن عليه نفقته ; لأنه موسر في أوله .

                                                                                                                                                                        [ ص: 146 ] ولا يزاد على نفقة ذلك اليوم ، وذكر الغزالي ، أنه يترك له سكنى ذلك اليوم أيضا ، فاستمر على قياس النفقة ، لكنه لم يتعرض له غيره .

                                                                                                                                                                        الخامسة : كل ما قلنا يترك له ، إن لم نجده في ماله ، اشتري له .

                                                                                                                                                                        قلت : قال صاحب " التهذيب " يباع عليه مركوبه ، وإن كان ذا مروءة . قال أصحابنا : وإذا مات المفلس ، قدم كفنه ، وحنوطه ، ومؤنة غسله ودفنه على الديون ، وكذلك من مات من عبيده ، وأم ولده ، وزوجته إن أوجبنا عليه كفنها ، وكذلك أقاربه الذين تلزمه نفقتهم ، نص عليه في " المختصر " واتفقوا عليه . قال في " البيان " وتسلم إليه النفقة يوما بيوم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية